استظهر من مسيرة الإسلام فى فلك النبوة ، والذي كانت دورته فيها ثلاثا وعشرين سنة ـ أن للإسلام دورة فى فلك خارج فلك النبوّة ، أشبه بهذه الدورة ، مدتها ثلاثة وعشرون قرنا ، أي أن كل سنة من عصر النبوّة ، تمثل قرنا كاملا فى تلك الدورة الجديدة.
كما استظهر أيضا ، أن الثلاثة عشر عاما الأولى التي عاشتها الدعوة الإسلامية فى دائرتها الضيقة ، وفى مواجهة الكيد لها ، والمكر بها ، والتضييق على أتباعها ، قبل الهجرة النبوية ـ هذه المدة تمثل الثلاثة عشر قرنا التي انسلخت بعد عصر النبوة .. والتي تحرك فيها الإسلام تحركات محدودة خلال هذه الدورة ، أشبه بما كان له من تحركات فى تلك الفترة ، بالهجرة إلى الحبشة ، وإلى المدينة قبل الهجرة النبوية .. وأن الإسلام بعد هذه القرون الثلاثة عشر ، التي مضت ، سينطلق من محبسه ، كما انطلقت دعوته بعد الهجرة ، وستكون له فتوحات فى آفاق الأرض كلها ، كما كانت له فتوحاته فى الجزيرة العربية ، التي دانت كلها بدين الإسلام ، قبل أن يلحق النبىّ بالرفيق الأعلى ، وقد تحقق له ما وعده الله سبحانه وتعالى به ، فى قوله جلّ شأنه : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً ..)
فالقرون العشرة المقبلة ـ كما استظهر هذا العالم العليم ـ هى انطلاقة جديدة للإسلام ، أشبه بانطلاقته التي كانت له بعد الهجرة فى سنواتها العشر .. وستكون هذه القرون العشرة ، كما كانت تلك السنوات العشر ، تمكينا للإسلام ، وتثبيتا لقواعده ، وامتدادا لدولته ، حتى تدين به الجزيرة الأرضية جميعها ، كما دانت له الجزيرة العربية كلها من قبل .. (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ*