وفى عطف المسيح بعد الفصل بقوله تعالى (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) إشارة إلى أن المسيح فى ربوبيته عند أتباعه ، يأخذ وضعا خاصا ، غير الوضع الذي للأحبار عند اليهود ، وللرهبان عند النصارى .. فهؤلاء الأحبار والرهبان ليسوا أربابا عند أتباعهم بصورة قاطعة ، وإنما هم أشبه بالأرباب .. أما المسيح فهو عند أتباعه ـ النصارى ـ ربّ بكل معنى الكلمة للفظة ربّ ..
وقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ..
الضمير فى «أمروا» يعود إلى هؤلاء المخاطبين من أهل الكتاب ـ من يهود ونصارى ـ كما أنه يشمل الأرباب الذين اتخذوهم ، من الأحبار والرهبان ، والمسيح ابن مريم .. فهؤلاء وأولئك جميعا مطالبون بأن يعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو .. فهذا هو الإيمان الذي لا يدخل إنسان فى عداد المؤمنين إلا به ، وهو الإيمان الذي أمر الله سبحانه وتعالى به رسله ، وجاءت به كتبه التي أنزلها عليهم .. وقد تنزه الله تعالى عن الشرك الذي يدين به المشركون .. (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
وقوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)
فى هذه الآية الكريمة إشارة مضيئة إلى مستقبل الإسلام ، وأنه «نور الله» الذي يريد المشركون ، والكافرون ، والمنافقون ، أن يطفئوه بأفواههم ..
وإضافة الإطفاء الذي يريده هؤلاء الضالون بنور الله ـ إضافته إلى أفواههم ، لأن أفواههم هى التي تنطق بهذا الزور والبهتان ، والافتراء على الله ، ونسبة الولد إليه .. كما يقول سبحانه : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) .. فهذه الأفواه التي تنطق بهذا الضلال ،