«وأنّى» استفهام بمعنى كيف .. أي كيف يكون منهم هذا الإفك؟ وكيف يجدون له مساغا فى عقولهم؟
قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)
هو اتهام جديد لأهل الكتاب ، وكشف عن وجه من وجوه الضلال الذي ركبوه ، وهو أنهم انقادوا لأحبارهم ورهبانهم ، وجعلوا لهم الكلمة فيهم ، والعقل المدبّر لهم ، فكلمة الأحبار والرهبان لهم ، هى الكلمة التي لا معقّب عليها عندهم ، حتى لكأنها كلمات الله عند المؤمنين بالله ..
وقد تأول الأحبار والبرهبان كلمات الله ، وأخرجوها عن مفهومها الذي لها ، إلى المفهوم الذي يرونه .. ومن هنا كان للأحبار والرهبان هذا السلطان المبسوط على أتباعهم ، بحيث جعلوا إلى أيديهم أمر هؤلاء الأتباع ، فيما هو من صميم العقيدة .. فيغفرون لمن شاءوا من المذنبين ، ويحرمون من شاءوا من هذا الغفران .. وقد أدّى ذلك إلى أن أصبح الأحبار والرهبان آلهة يطلب رضاها ، ويتقرب إليها بالقربات ، حتى تنال منهم المغفرة والرضوان .. وهذا وضع شبه بالوضع الذي يقوم بين المؤمن وربّه .. ومن هنا كان قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) مصورا لهذه الحال القائمة بين عامة اليهود والنصارى وبين أحبارهم ورهبانهم ، أدقّ تصوير وأئمّة ..
والأحبار : جمع حبر ، وهو عالم اليهود ، ورجل الدين فيهم .. والرهبان : جمع راهب ، وهو عالم المسيحيين ، وصاحب الكلمة فى معتقدتهم وشريعتهم.
وأما قوله سبحانه : (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) فهو معطوف على قوله سبحانه : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) أي واتخذوا المسيح ربّا من دون الله ..