والشر والأشرار دائما مسلّطون على الأخيار .. إن سالموهم فلن يسلموا منهم ، وإن كفّوا أيديهم عنهم بسطوا هم أيديهم إليهم بالبغي والعدوان .. هكذا تجرى الحياة فيما بين الشر والخير ، وفيما بين الأشرار والأخيار!
كانت دعوة المسيح ـ عليهالسلام ـ دعوة كلها سلام خالص ، بل هى استسلام مطلق لكل ظلم وبغى وعدوان .. هكذا كانت دعوة المسيح ، وهكذا كانت سيرته وسيرة حوارييه وأتباعه ، تحكمهم جميعا دعوة المسيح المشهورة ، والتي تكاد تكون عنوان الرسالة المسيحية : «سمعتم أنه قيل عين بعين ، وسنّ بسن ، وأما أنا فأقول لكم : لا تقاوموا الشرّ ، بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضا ، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا» (٥ : إنجيل متى).
فماذا كان نتاج هذه الدعوة؟ هل سلم أتباعها من الأشرار؟ وهل كان موقفهم السلبي من المعتدين الآثمين شفيعا يشفع لهم عند هؤلاء المعتدين ، أو يخفف ممّا يرمونهم به من ضر وأذى؟ وهل سلم المسيح نفسه إذ سالم الناس ، واستسلم لهم؟
الحق أنّ ذلك كان إغراء لأهل السوء بأهل الصلاح والتقوى .. إذ أنهم ما إن علموا بأن المسيح وأتباعه لا يقابلون الشرّ بالشرّ والعدوان بالعدوان ، حتى تسابقوا إلى مدّ يديهم إلى هذه المائدة الممدودة ، لكل من يريد إشباع شهوته إلى البغي والعدوان ، أو إرواء ظمئه إلى التسلط والقهر وإذلال الناس .. فما أكثر الجياع فى الناس إلى البغي والعدوان ، وما أكثر الظمأى فيهم إلى التسلط على الناس وقهرهم وإذلالهم ..!
فكم لقى المسيح ولقى أتباعه من ضرّ وأذى؟ وكم احتملوا من بلاء