وأما خمس ذوى القربى فقد أباه أبو بكر رضى الله عنه عليهم بعد وفاة النبىّ ، واعتبره ميراثا .. فقد كان النبىّ ينفق منه على ذوى قرابته ، فلما توفّى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لم يكن لذوى قرابته حق فيه ، عملا بقول الرسول الكريم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث .. ما تركناه صدقة».
وقد أخذ عمر بهذا بعد أبى بكر ، كما أخذ به عثمان ، ثم علىّ .. رضى الله عنهم ، وأبى علىّ كرم الله وجهه أن يخرج على ما سار عليه الخلفاء الراشدون قبله .. وإن كان من رأيه ـ كاجتهاد له ـ أن خمس ذوى القربى حقّ لهم بعد الرسول ، كما هو حق لهم فى حياته. وبهذا الرأى أخذ الإمام الشافعي ، وبعض الأئمة ، كما أنه هو الرأى المعتمد عند الشيعة.
وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .. هو توكيد لتلك الدعوة التي دعى إليها المجاهدون من الله سبحانه ، بأن يجعلوا مما يغنمون .. خمس هذه الغنائم ، لله وللرسول ، ولذى القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ..
فهذا الحكم الذي قضى به الله سبحانه ، هو دعوة منه سبحانه إلى من آمن به .. فإن من شأن من آمن بالله أن يتقبل أحكامه راضيا مطمئنا ، لا يطوف بنفسه طائف من الضيق أو الحرج ..
والإسلام حريص أشدّ الحرص على سلامة نفوس المجاهدين ، وتصفيتها من أية شائبة تعلّق بها فى هذا الموطن ، الذي ينبغى أن يكون المسلم فيه ، على ولاء مطلق للقضية التي يقاتل فى سبيلها ، ويستشهد راضيا قرير العين من أجلها ، الأمر الذي لا يتحقق إذا تسرب إلى النفوس شىء من دخان الضيق أو الشك.
ولهذا ، فإن من تدبير الحكيم العليم فى هذا ، أنه بعد أن شدّ المؤمنين إلى الإيمان الذي وصلهم بالله ، وأقامهم على الجهاد فى سبيله ـ ذكّرهم بما يمدّهم به من