فِي جَهَنَّمَ) إشارة إلى أن مجتمع الكفر والضلال ، مجتمع فاسد ليس لإنسان فيه ذاتية ، يتميز فيها إنسان عن إنسان ، بعقله ، ومدركاته ، ومشاعره ، كما يتميز عقلاء الناس ، كلّ بإدراكه وإحساسه وشعوره .. فهم أشبه بقطيع من الحيوان ، ليس لأحدها فى حقيقته ما يميزه عن غيره ، إلا باللون أو الحجم ، أما ما وراء ذلك فهى جميعها سواء فيه .. ومن هنا كان التعبير القرآنى : (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) أي يخلط بعضه ببعض خلطا لا حساب فيه لشىء ، ولا تقديم لشىء على شىء ، وإنما حكمها جميعا حكم حزمة الحطب يحتويها حبل واحد .. ثم كان التعبير القرآن (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) أي أن غاية هذا الجمع لتلك الجماعات الضالة هو إعدادها للوقود ، وإلقاؤها فى جهنم. هكذا يفعل بالحطب حين يجمع ، وحين يقدّم للوقود! وهكذا الخبيث من الأشياء ، والنفاية من كل شىء ، يلقى به .. بلا حساب ولا تقدير!.
وقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) هو تهديد ، ووعيد لهؤلاء المشركين الذين أخزاهم الله يوم بدر .. فإن يكن فيما حدث لهم يوم بدر موعظة وعبرة ، فيؤمنوا بالله ، ويصدّقوا برسوله ، ويصحبوا مؤمنين مع المؤمنين ـ إن يفعلوا ذلك قبلهم الله ، وغفر لهم ما كان منهم من منكرات وآثام ، وإن يعودوا إلى ما هم فيه من كفر وعناد ، ومحادّة لله ورسوله ، فقد عرفوا ما سيحل بهم من عذاب الله لهم .. فتلك هى سنة الله فى خلقه ، وذلك هو حكمه على الظالمين الآثمين : الخزي والخذلان فى الدنيا ، والعذاب والنكال فى الآخرة .. ولقد فتح الله باب التوبة والقبول لمن كان له مع نفسه مراجعة ، وله إلى الله عودة .. فماذا ينتظر هؤلاء المشركون الذين ركبوا رؤوسهم ، وأوشكوا أن يصبحوا فى الهالكين؟.