النبىّ الكريم أمام تلك الفتن العاصفة ، التي كانت تهب من آفاق المشركين ، ولم ينحرف عن طريقه القويم قيد شعرة.
ومن مكر الذين كفروا بالنبيّ ما كشفه الله تعالى فى تلك الآية ، وهو أنهم أرادوا به أكثر من شر ، فإمّا أن يثبثوه ، أي يفسدوا عليه أمره ، ويعجزوه عن القيام بدعوته. أو يقتلوه إن هو أبى إلا أن يمضى فى طريقه ، ويستمر فى دعوته ، وأعجزتهم الوسائل المتاحة لهم عن الإمساك به دون أن يتحرك .. وإما أن يحملوه على أن يخرج من بينهم ، ويترك موطنه الذي نشأ فيه ..
هذا كان مكرهم ، وذلك كان كيدهم.
وقد أبطل الله هذا المكر ، وأفسد هذا الكيد .. فجاء أمر النبىّ على خلاف ما أرادوا وقدّروا ..
لقد حملوه على أن يهاجر من بينهم ، ففاتهم بذلك حظّهم من نور الله ، الذي جعله الله إلى قوم هم أولى به وأحق منهم .. ثم إن من دخل منهم فى الإسلام من بعد هذا ، لم يكن فى المنزلة التي أخذها الذين سبقوا إلى الإسلام وهاجروا ، أو أولئك الأنصار ، الذين آووا ونصروا ..
وفى قوله تعالى : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى إنما أخذهم بمثل فعلهم ، وقتلهم بالسلاح الذي حاربوا الله ورسوله به ..
والمكر : التدبير للأمر ، وأخذ الوسائل المحققة له .. وقد يكون المكر شرّا ، حيث يراد للشر والضلال ، وقد يكون حسنا ، إذا أريد به إحقاق حق ، أو إبطال باطل .. وفى هذا يقول الله تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).