وللأولاد مثل ما للمال ، من سلطان على الوالد ، ومن تمكّن فى قلبه ، واستيلاء على مشاعره ، بحيث يحمله ذلك على أن يؤثرهما على نفسه ، وأن يسوق إليهما كل ما وسعه جهده وحيلته ، من ألوان البرّ والخير ..
وتلك غريزة طبيعية فى الإنسان ، بل وفى الحيوان .. وليس مما يحمد فى الإنسان أن تخمد هذه الغريزة أو تضعف ، ولكن الذي لا يحمد ، هو أن تجنح هذه الغريزة إلى جانب المغالاة ، وتعدل بالإنسان عن الطريق السّوىّ ، فيحمله ذلك على أن يقتطع من حقوق الناس ، ليملأ يد أبنائه مما يشاءون ، أو يشاء هو لهم.
ومن هنا كانت لفتة القرآن الكريم إلى هاتين الشهوتين : شهوة المال ، وشهوة البنين ، وإلفات الناس إلى الحذر منهما ، ومن الوقوع تحت سلطانهما ..
وفى سبيل هذا الجهاد الذي يجاهد به المرء نفسه ، فى مغالبة هاتين الشهوتين ، يلقى المثوبة والرضوان من الله فى الآخرة ، عوضا عما فاته من إشباع شهواته ، فى الدنيا (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
الفرقان : ما يفرّق به بين الشيئين ، والمراد به هنا ، القوة التي يفرق بها بين الحق والباطل .. وهذه الفرقان ، أو تلك القوة إنما يمدّ بها الله أولئك الذين يتقونه ، ويحرسون أنفسهم ويراقبونها من أن تتعدى حدوده ..
ومن تقوى الله ، حراسة النّفس من الشهوات المسلطة عليها ، كشهوة المال والبنين ، التي نبّهت إليها الآية السابقة ..