إنه نذير للمشركين من أهل مكة ومن حولهم .. إنهم قد أشركوا بالله ، وبغوا فى الأرض ، ولم يكن لهم نظر ينظرون به إلى ما حل بالبغاة الظالمين .. وها هو ذا رسول الله يدعوهم إلى الله ، ويمدّ يده إليهم بالهدى .. وها هم أولاء يكذبونه ، ويسخرون منه ، ويأتمرون به .. فماذا ينتظرون غير سنّة الأولين؟ ..
وفى هذا يقول الله تعالى عنهم : (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) (١٥ : ص).
وعلام يعوّل هؤلاء القوم فى تماديهم فى الضلال ، واطمئنانهم إلى ما هم فيه؟ أهناك من يدفع عنهم عذاب الله ، ويردّ عنهم بأسه؟ ذلك ضلال إلى ضلال ، وعمى بعد عمى ، وفتنة مع فتنة ..
وكيف يأمنون مكر الله ، ومعاجلتهم بالعذاب من حيث لم يحتسبوا؟ (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ؟ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) .. وأي خسارة أكثر من أن يرى الإنسان نذر الشر والهلاك مقبلة إليه ، ثم يخدع نفسه ، ويخيّل إليها أن هذه النذر لن تتجه إليه ، ولا تنال منه .. ثم يظل هكذا يرتوى من هذا السراب الخادع حتى تقع به الواقعة ، وينزل بساحته البلاء .. فلا يجد له مهربا .. ولو أنه تنبه لهذا الخطر المشير إليه ، وأخذ حذره منه ، واتخذ له طريقا غير هذا المؤدى به إلى مواقع الهلاك والتلف ـ لو أنه فعل ذلك فلربما سلم ونجا ، فإن لم يسلم ولم ينج ، كان قد أعذر لنفسه ، وأدّى المطلوب منه نحو ذاته ..
وفى توقيت العذاب الواقع بهؤلاء الظالمين من أهل القرى .. بالبيات ، وهو الليل ، وبالضحى ، وهو ضحوة النهار وشبابه ـ فى التوقيت بهذين الوقتين إشارة إلى أن بلاء الله ينزل فى أي وقت .. فى غفلة من الناس وهم نيام ، قد استولى عليهم النعاس ، ولفّهم الليل بردائه الأسود الكثيف .. أو فى ضحوة