فما تأويل قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ..؟)
والجواب : أن المؤمن بالله ، المتقى لحرماته ، هو أكثر الناس غنى فى قلبه ، وقناعة فى نفسه ، ورضى بقدره ... فالقليل فى يد المؤمن التقىّ هو كثير مبارك فيه ، يسدّ حاجته ، ويجلّى عن نفسه هموم الدنيا ، ويقيمه على رضى دائم ، واطمئنان متصل ، وسلام مقيم مع نفسه ، ومع الناس ، ومع الوجود كله ..
وهذا هو السرّ فى وصف الرزق المنزل من السماء ، والنابت من الأرض ـ بالبركة .. فهو رزق ممسوس بنفحات البركة التي تجعل القليل كثيرا ، ينمو على الإنفاق ، كما تنمو النبتة المباركة فى الأرض الطيبة.
فالمجتمع المؤمن التقىّ ، مجتمع مثالىّ فى حياته ، وما يرفّ عليها من أرواح السلام ، والأمن ، والاستقرار ، حيث لا ظلم ، ولا بغى ، ولا عدوان ، وحيث الناس إخوان على طريق الله ، وعلى التناصح والتواصي بالحق والخير ..
فأى بركة أعظم من تلك البركة ؛ وأي حياة أطيب وأكرم من هذه الحياة ، التي يجتمع فيها الإنسان إلى الإنسان ، بقلب سليم ، ونفس مطمئنة ، لا يحمل لأحد شرا ، ولا يتربص له أحد بسوء؟
وفى هذا يقول الشاعر العربي :
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها |
|
ولكن أخلاق الرجال تضيق |
فحيث كان الإيمان والتّقى ، كان الإخاء ، والأمن والسلام ، والعافية ..
قوله تعالى :
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ* أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).