فالأول عمل من أعمال الرسول لدعوة الناس إليه ، والثاني تلاوة من كتاب الله الذي بين يديه .. ومن هنا نجد أكثر من فاصل يفصل بين المقطعين من الآية : فهناك فاصل زمنىّ ـ حسىّ ومعنوى ـ بين الدعوة ، وحضور المدعوّين ، وبين إسماعهم ما حرّم الله عليهم فى كتابه .. وهناك فاصل اعتباري ، حيث أن المقطع الأول هو ـ فى ظاهره ـ من كلام الرسول ، ومن عمله ، على حين أن الثاني من كتاب الله نصّا ، يتلوه الرسول من مستودعات الله فى قلبه ..
وثانيا : قوله تعالى (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) بالعطف على النهى قبله : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) هو من لوازم هذا النهى ومن مقتضياته .. فإن النهى فى حقيقته أمر سلبىّ ، يقتضى الوقوف من المنهىّ عنه موقفا مجانبا له ، أو منسحبا منه .. ومن تمام الحكمة أن يعقب تجنّب المنهىّ عنه ، الخروج به من هذا الموقف السلبىّ إلى ما يقابله من عمل إيجابىّ .. فإذا امتثل الإنسان النهى عن الشرك بالله ، وانخلع عن عبادة من عبدهم من دون الله ، كان عليه أن يؤمن بالله ، وأن يتقبل أوامره ويعمل بها ..
ومن إعجاز القرآن الكريم هنا أن يجىء الأمر بالإحسان إلى الوالدين عقب النهى عن الشرك بالله ، ليملأ هذا الفراغ الذي وجد بإجلاء الشرك عن قلوب المشركين ، أو بغروب شخصه من آفاق المؤمنين ..
فالأمر بالإحسان إلى الوالدين هنا ، هو فى المكان الذي كان من المنتظر أن يحلّ فيه الإيمان بالله ، محلّ الشرك ، بعد أخلى مكانه ، وزال شخصه .. وفى هذا ما فيه من تعظيم حق الوالدين ، وجعل برهما والإحسان إليهما ، أشبه بالإيمان بالله .. أما الإيمان بالله هنا فهو واقع لا شك فيه بعد أن جلا الشرك ، الذي كان هو الحاجز الذي يحول بين المشركين وبين الإيمان بالله ..
ثالثا : قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ