ثورة على المعتزلة
لهذا لم يرتض كثير من المسلمين آراء المعتزلة ، وإن حمدوا للكثير منهم دفاعهم عن الدّين ، وكسرهم من حدّة السلبيّة ، التي استولت على المجتمع الإسلامى ، بعد تلك الفتن الكثيرة ، والجراحات القاتلة ، التي أصابت الصميم من الجسد الاجتماعى الإسلامى ، التي أصابت المسلمين ، بعد مقتل الإمام علىّ ـ كرم الله وجهه ـ ومصارع أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ وامتحان كثير من صحابة رسول الله ، والتابعين ، على يد الخلفاء الأمويين والعباسيين على السواء ..
فكان الاستسلام للأحداث ، والتسليم بالهزيمة هو العزاء لكثير من النفوس ، حتى لقد كان لسان حال الناس فى كل أمر هو : هذا ما قضى الله وقدّره! وكان هذا القول ـ وهو قول حق ـ يقال فى كل حال داعية إليه ، أو غير داعية ، يتعزّى به الناس عند كل مصيبة ، ويستدعونه عند كل نازلة ، دون استحضار هممهم ، وبذل جهدهم .. والقول بأن هذا قضاء الله وقدر الله ، هو قول حق ، ولكن الاستنامة فى ظل هذا القول ، وإلقاء كل أخطائنا على القدر ، هو الذي لا يرضاه ، عقل ، ولا يقرّه دين (١).
من أجل هذا قام المعتزلة فى وجه هذه الظاهرة ، وتصدّوا لتلك الدّعوة المريضة ، ولكن بدلا من أن يقتصدوا فى تقرير مسئولية الإنسان ، وفى إبراز شخصيته ، وإثبات وجوده مع أحداث الحياة ـ بالغوا أيّما مبالغة فى هذا الأمر ، فبعد أن كان القول الذائع بأن إرادة الله فوق كل شىء ، وإرادة العبد لا شىء ـ أصبح القول عند المعتزلة هو : إن إرادة العبد هى كل شىء ، وإن إرادة الله لا شىء!.
__________________
(١) انظر بحثنا فى القضاء والقدر فى كتابنا «القضاء والقدر بين الفلسفة والدين».