ولهذا وجد كثير من أنصار المعتزلة حرجا فى الأخذ بقولهم هنا ، من إطلاق قدرة الإنسان وإرادته ..
فهذا إمام من أئمتهم ، وهو «الجاحظ» لا يرضى أن يقرر مذهب المعتزلة فى هذه المسألة على هذا الوجه .. بل إنه ليصل إرادة العبد بإرادة الله .. يقول الجاحظ : «لا فضل للإنسان إلا بالإرادة».
ومعنى هذا أن للإنسان إرادة ، وأنه بغيرها لا يكون أحسن من الحيوان حالا ، ولا أكرم منزلة ..
ولكن هذه الإرادة التي يحملها الإنسان فى كيانه لا تعمل وحدها ، هكذا مطلقة من كل قيد ، فهى متصلة أولا بكيان الإنسان كله ، وهى ثمرة من ثمرات التفاعل الذي يجرى فى هذا الكيان ، الذي هو متصل بهذا الوجود كلّه ، مقيد به ، ومؤثر فيه ، ومتأثر به .. وفى هذا يقول الجاحظ :
«لأن أفعال الإنسان كلها داخلة فى نسيج حوادث الطبيعة من جهة ، ولأن علم الإنسان كلّه اضطراري يأتيه من أعلى .. من جهة أخرى».
ومعنى هذا أن الإرادة التي يعمل بها الإنسان ليست كلها له ، لأنها فرع العلم الذي يحصّله اضطرارا ، والذي يأتيه من أعلى ..
ونسأل : وأين إرادة الإنسان إذن؟
نكاد نقول إن الجاحظ يقول بالجبر والاختيار معا ..!
ثالثا : إن المعتزلة وهم يحاولون أن يدافعوا عن «عدل الله» بإضافة أقوال الإنسان كلها ـ خيرها وشرها ـ إلى الإنسان ـ أقول : إنهم بهذا الدفاع قد أنكروا على الله أن يكون قادرا ومريدا ، مطلق القدرة ، ومطلق الإرادة ، أي ذا قدرة وإرادة شاملتين .. والقدرة والإرادة بهذا الوصف ـ من صفات الكمال. فكيف لا يتصف الخالق بهما؟ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ..