وهكذا اندفع المعتزلة زمنا وراء هذه الدعوة ، وجروا بها أشواطا بعيدة ، حتى وقع الخلاف بينهم ، وقام فيهم من يردّ عليهم ، ويوقف انطلاق دعوتهم .. وكان «الأشعري» فارس هذه الحلبة ، ورجل هذا الميدان!.
رأى أهل السنة
الأشعري : هو تلميذ أبى علىّ الجبّائى ـ أحد ائمة المعتزلة. ولكنّه لم يرتض قول المعتزلة فى إطلاق إرادة الإنسان واختياره ، .. فكان له رأيه الذي أصبح ـ فيما بعد ـ الرأى الذي تقول به الجماعة ، (أي أهل السنّة).
يقول «دى بور» فى كتابه تاريخ الفلسفة الإسلامية : «وظهر من بين صفوف المعتزلة رجل كانت رسالته أن يتوسط بين مختلف الآراء ، ويقيم بناء المذهب الذي عرف فى الشرق ، ثم فى بلاد العالم الإسلامى ، بأنه مذهب السنّة ..
«استطاع الأشعري أن يجعل لله ما يليق به ، دون أن يتحيّف حق الإنسان .. فالإنسان عنده يمتاز بأنه يستطيع أن يضيف إلى نفسه ما يخلقه الله فيه من الأفعال ، وأن يعتبر ذلك من كسبه» ..
وليست مكانة الأشعري عند جمهور المسلمين فى هذا الرأى الذي قرّره .. كما يقول «دى بور» ـ فإن هذا الرأى فى ذاته غير واضح المعالم ، وغير مقنع فى قضية القدر ـ كما سنرى ـ ولكن قيمة الأشعري ومكانته ، إنما هى فى خروجه على المعتزلة ، ووقوفه فى وجههم ، وتصدّيه لهم وهم أوج قوتهم.
يقول «طاش كبرى زاده» فى كتابه : «مفتاح السعادة» : «ودفع ـ أي الأشعري ـ الكتب التي ألّفها على مذهب أهل السنة ، وكانت المعتزلة قبل ذلك قد رفعوا رءوسهم ، فجحرهم الأشعري ، حتى دخلوا فى أقماع السمسم»!!