ولهذا كان مطلوبها أن ينظر فيها من يعلم ، ويتدبر ما لا يعلم ، وهو الفقيه .. (لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ).
أما النجوم وما يأخذ النظر منها من هداية فى الظلام ، فلا يحتاج من يريد التعرف على هذه الخاصة منها إلى أكثر من نظر يفيد علما بالواقع كما هو : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
ومن مبدعات هذه القدرة ، هذا الماء المنزل من السماء ، أي من جهة عالية ، تعلو وجه الأرض ، فكل ما علا الأرض فهو سماء .. فمن هذا الماء يخرج كل حىّ ، من إنسان وحيوان ونبات .. كما يقول سبحانه وتعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (٣٠ : الأنبياء)
ثم خصّ الله سبحانه بالذكر هنا عالم النبات ، إذ كان أكثر الكائنات الحية تفاعلا مع الماء واعتمادا عليه .. إذ هو غذاؤه وحياته ، لا شىء له غيره ، به يحيا ، وبفقده يذيل ويموت .. أما الكائنات الأخرى ، وإن كان الماء حياتها كالنبات تماما ، إلا أنها تعتمد على أشياء أخرى تقوم إلى جانب الماء لتمسك عليها الحياة ، وهو ما يتغذّى من طعام ..
وقوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً) أي نباتا ذا خضرة ، حيث الخضرة هى الروح السارية فى حياة النبات ، وبغير تلك الخضرة لا ينبض فيه عرق الحياة أبدا.
وقوله سبحانه : (نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً) أي من هذه الخضرة التي تمسك حياة النبات وتمده بالقوة والنماء ـ من هذه الخضرة يبلغ النبات غايته من النماء ، فيزهو ، ويثمر ، ويخرج حبا متراكبا ، أي يركب بعضه بعضا ، كما هو الشأن فى سنابل القمح ، وعناقيد العنب ونحوهما.