الله ، وتطاول على ما تفرد به سبحانه من قدرة وعظمة ، وفى هذا مهلكة وضياع لكل من يتلبّس بمنكر من هذه المنكرات .. وليس ثمة عاقل تسول له نفسه أن يقف هذا الموقف المفضوح ، ويعرّض نفسه للفضيحة الفاضحة ، والخزي المبين بين الناس! فكيف بأنبياء الله ورسله ، وهم دعاة هدى ، لا يبغون عليه من أحد أجرا ـ كيف يكون منهم الكذب على الله والتقوّل عليه بما لم يقل؟
وإذن فالذين يصطفيهم الله لحمل رسالته ، ويضع بين أيديهم وعلى ألسنتهم كلماته وآياته ـ لا يختلط أمرهم على ذى عقل ، ولا تلتبس دعوتهم بدعوة أدعياء النبوة ، لما بين النبىّ والدعىّ من مفارقات بعيدة ، سواء فى ذات النبىّ والدعىّ ، أو فى محامل دعوة النبىّ ودعوة الدعىّ.
ففى سلوك النبىّ ، استقامة ، وصدق ، وعفّة ، وكمال ، فى كل أموره ، ظاهرها وباطنها جميعا ، مما لا يكون موضع شك أو إنكار عند أعدائه ، فضلا عن أوليائه .. وليس كذلك الدعىّ الذي لا يمكن أن يقف هذا الموقف المخزى ؛ إلّا إذا كان على قدر كبير من الوقاحة ، والتجرد من الحياء ، وعدم المبالاة باتهام الناس له ، وتشنيعهم عليه ..
وفى محامل رسالة النبي .. النور والهدى ، والخير ، والعدل ، والإحسان .. للناس جميعا .. لا لطائفة من الطوائف ، ولا لطبقة من الطبقات .. أما ما تحمل رسالة المدعى ـ إن كان له رسالة ـ فهو الملق والرياء ، والاستجابة للعواطف الخسيسة فى الناس ، وإباحة المنكرات لهم ، ودعوتهم إلى تلك المنكرات باسم هذا الدين الكاذب ، الذي يباركها ويبارك أهلها ..
وفى قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ. تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ) عرض لهؤلاء الظالمين الذي افتروا على الله الكذب ، وقالوا بما لم يقبله الله.