وفى هذا العرض يبدو المصير الذي يصير إليه كل ظالم ، حين تنتهى أيامه القصيرة فى هذه الدنيا ، بحلوها ومرها ، وبلهوها وعبثها ، وإذ هو على مشارف الحياة الآخرة ، وملائكة الرحمن يمدّون أيديهم لانتزاع ثوب الحياة الذي يلبسه هذا الجسد ، الذي كان يمشى فى الأرض مختالا فخورا ، يحسب أن ماله أخلده .. وما هى إلا لحظات ، يعالج فيها سكرات الموت ، حتى يكون جثة هامدة ، كأنه لقى ملقى على الطريق ، بل إنه يصبح سوأة يجب أن تختفى وتتوارى عن الأنظار ، وتغيّب فى باطن الأرض .. وليس هذا فحسب ، بل إن ذلك هو بدء لمرحلة جديدة ، لحياة أخرى غير الحياة التي كان فيها .. إنه سيبعث من جديد ، ويلبس ثوب الحياة مرة أخرى ، ولكن لا ليكون مطلق السّراح ، يلهو ويعبث ، بل ليلقى به فى جهنم ، وليكون وقودا لجحيمها المتسعر!
وفى قوله تعالى : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) إشارة إلى هذا الأمر الملزم ، الذي يحمله الملائكة ، لقبض أرواح الظالمين ، وأن الملائكة ، وهم الموكلون بقبض هذه الأرواح ، يحملون هؤلاء الظالمين حملا على انتزاعها بأنفسهم ، وإعطائها لهم بأيديهم ، وفى هذا تنكيل بهم ، وإذلال وقهر لهم ، بأن يحملوا حملا على انتزاع حياتهم بأيديهم .. هكذا (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) .. وهل يعطى الإنسان نفسه بيده؟ إنه لأهون عليه كثيرا أن ينتزعها أحد منه قهرا وقسرا ، من أن يكون هو الذي يقدّم بيديه أعزّ شىء يملكه ، بل كل شىء يملكه ..
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) هكذا يجد الظالمون أنفسهم يوم القيامة .. فى وحشة قاتلة ، لا يلتفت أحد إلى أحد ، ولا يفكر إنسان فى إنسان. (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) ، عن أن يشغل بغيره ، أو ينظر إليه نظرة.
(وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) فليس مع الإنسان فى هذا اليوم شىء