فهم ـ مع هذا العلم ـ لا عذر لهم فى أن لم يؤمنوا بالله ، بعد أن أراهم الرسول الكريم الطريق إليه ، وهذا علم جديد قد جاء إلى العرب ، ولم يكن لآبائهم شىء منه.
وقوله تعالى : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) هو دعوة للنبىّ أن يحدّث هؤلاء المشركين عن الله ، وأن يكشف لهم الطريق إليه .. أي قل : «هذا هو الله الذي أدعوكم إليه ، فإن آمنوا فقد اهتدوا ، وإن تولوا فإنما هم فى ضلال ، يخوضون فيه خوضا .. فذرهم فى خوضهم يلعبون.
وقوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) هو ردّ على القائلين : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) فجاء تكذيب الله لهم ، وردّه عليهم بقوله : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) أي القرآن وهو كتاب «مبارك» فيه رحمة وهدى وخير لمن آمن به ، واهتدى بهديه .. وهو (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من كتب سبقته ، وهما التوراة والإنجيل.
وقوله تعالى : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) أم القرى هى مكة ، وهى منارة الإسلام ، ومتوجه كل مسلم فى صلاته وحجّه .. وهى بهذه المثابة أمّ بلاد الإسلام كلها ، ومركز دائرتها ، وهكذا تكون على هذا الوصف أبدا.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ).
الضمير فى به ، يعود إلى هذا الكتاب المبارك الذي أنزله الله ، وهو القرآن. وخصّ الذين يؤمنون بالآخرة ، بالإيمان به ، لأن من لا يؤمن بالآخرة ، وما بعد هذه الدنيا من بعث وحساب ، وثواب وعقاب ، لا يؤمن بالله ، ولا بكتاب الله ، ولا يوقّر حرماته ، ولا يقع فى قلبه خشية من منكر ..