هو أن يعزلوا أنفسهم عن تلك المآثم ، وأن يتقوا الخطر الذي قد يصيبهم من مداناتها ..
وهذا الأمر المتوجّه به إلى النبىّ ، هو أمر عام ، متوجّه به إلى كلّ مؤمن ، وأنه إذا كان النبىّ ـ وهو من هو فى وثاقه إيمانه ، وقوة يقينه ، وعصمة ربّه له ـ مدعوا إلى تجنب هذه المجالس الآثمة ، خوفا عليه فى نفسه ودينه ، فإن غيره من المؤمنين أولى بمحاذرة هذه المجالس ، واجتنابها ..
وقوله تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) هو توكيد لهذا الأمر الذي أمر به النبيّ ، من اجتناب المشركين ، وقطع كل ما فى نفسه من أمل أو طمع فى هدايتهم ، بهذه اللقاءات التي يحرص على لقائهم فيها .. فإنهم ليسوا من أهل الدين ، ولا يرجى أن يكون لهم دين ، لأن دينهم الذي يملك عليهم نفوسهم ، هو اللعب واللهو ، والعكوف على هذه الحياة الدنيا ، التي أعطوها كل وجودهم ، بحيث لا تتسع نفوسهم لشىء آخر غير هذه الدنيا ، وما فيها من لهو ولعب!
وليس معنى هذا أن يطوى النبىّ كتاب دعوته ، وأن يعتزل الناس والحياة ، إنما المطلوب منه هو أن يذكّر بدعوته ، وأن يبشر وينذر ، وأن يسمع النّاس جميعا كلمات ربّه .. «وذكر به» أي بالقرآن الذي معك ، مجرّد تذكير ، وليس للنبىّ أن يحمل الناس حملا عليه ، وأن يقطع أنفاسه بالجري وراء من لا يستمع إليه ، ولا يستجيب له ..
وقوله تعالى : (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) أي أن دعوة النبىّ هى البلاغ ، والتذكير بيوم الحساب ، والتخويف من هذا الموقف الذي تبسل فيه كل نفس بما كسبت ، أي تعزل وتفرد ، ليس معها إلا ما كسبت من خير