حال من شأنها أن تقيم الضالّين والمنحرفين على رجاء من رحمة الله ، فتخبت له قلوبهم ، وتلهج بالضراعة إليه ألسنتهم.
وقوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) تحريض لهؤلاء الضالين أن يتداركوا أنفسهم ، وأن يعودا بها إلى الله من قريب ، تائبين ضارعين ..
ولم يذكر الضرّ هنا مع البأس ، لأن البأس أعمّ من الضرّ ، إذ هو ضر ، وأكثر من ضر ..
وقوله سبحانه : (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) فلم يتضرّعوا ، ولم يعودوا إلى الله ، مع ما أخذهم به من بأساء وضراء ، بل ظلوا على ما هم فيه من عمّى وضلال .. (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي حبّب إليهم الشيطان ، بغوايته ، وخداعه ، هذه المنكرات التي يعيشون فيها ، فلزموها ، وتعلقوا بها ..
وقوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) بيان للوجه الآخر الذي أراهم الله من آياته ، وأخذهم به من عبر وعظات ، لتتفتح مغالق قلوبهم إليه ، ويؤمنوا به ..
والذي ذكّروا به ونسوه ، هو «البأساء والضراء» وقد أخذهم الله بهما ليكون لهم منهما عبرة وعظة ، ولكنهم لم يعتبروا ، ولم يتعظوا ..
ولكن الله سبحانه ـ مع هذا ـ لم يعجّل لهم العقاب ، بل أخذهم بحلمه ، وقدّم لهم الدواء الحلو السائغ ، بدلا من هذا الدواء المرّ ، الذي لم يستسيغوه ، ولم ينتفعوا به .. فساق إليهم النعم ، وأغدق عليهم العطاء ، (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) مما تشتهى أنفسهم ، وتهوى أفئدتهم .. ومع