ذلك فما نفعهم هذا الدواء ، ولا ذهب بما بهم من داء .. بل زادهم هذا الرزق الكريم ، كفرا بالله ، ومحادّة له ..
وإنه إذ لم يكن فى البأساء والضراء ، ولا فى النعمة والرخاء ، ما يصحح معتقد هؤلاء القوم فى الله ، ويقيمهم على طريقه ـ كانت الثالثة ، وهى القاضية ، التي فيها الهلاك والدمار ..
وهذا هو حكم الله فيهم ، وأخذه لهم : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) وإنه لأخذ أليم شديد .. إذ كانوا على حال من البهجة والمسرّة ، وفى مقام من الأمل المزهر والرجاء العريض ، فتهبّ عليهم عاصفة جائحة ، تنتزعهم انتزاعا على حين غفلة ، وهم على تلك المائدة الحافلة بشهىّ الطعام والشراب ، وإذا الأيدى الممدودة إلى المائدة تتجمد فى طريقها إليها ، وإذا الشّفاه المترشفة للكئوس المترعة تيبس عليها ، وإذا العيون السارحة بين ألوان الطعام والشراب تجمد حدقاتها ، وينطفىء بريقها .. (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ .. إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (١٠٢ : هود) .. فلو أن هؤلاء المشركين ، أخذوا وهم فى لباس البأساء والضرّاء لخفّف عليهم مرارة الموت ، ما هم فيه من مرارة الحياة التي يحيونها ، ولكنهم تجرعوا كأس المنية مرّا مترعا ، وفى أفواههم ، وعلى ألسنتهم ، طعوم وطعوم ، من كل حلو وشهىّ!
والإبلاس : الحسرة الشديدة ، والمبلس : الذي وقع فى معصية ولا حجة له ، ولا عذر بين يدى العقاب الذي وقع به.
وقوله تعالى : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) هو آخر ما يشيّع به هؤلاء الهالكون ، وما يتبعهم من دنياهم إلى المصير الذي هم صائرون إليه .. لقد قطع دابرهم ، أي اجتثّ كل شىء لهم ، ومحيت آثارهم ، ولم تبق منهم باقية .. إنهم وباء وبيل ، ومرض خطير ، يتهدد الإنسانية بالفساد