التفسير : فى هذه الآيات عرض لمقطع من مقاطع الحياة ، قبل عصر النبوّة ، وفيه تتمثل مواقف المعاندين والملحدين بالله ، والمكذبين برسله ، وما أخذهم به من نكال وعذاب.
وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) عزاء للنبىّ الكريم ، ومواساة له ، فيما يلقى من سفاهة السفهاء ، وتطاول الحمقى .. فقد كان قبل النبىّ الكريم رسل كرام ، بعثهم الله بالرحمة والهدى لأقوامهم ، فكذبوهم ، وبهتوهم ومدّوا أيديهم إليهم بالضرّ والأذى ..
وقوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) هو تعقيب على كلام محذوف دل عليه سياق النظم ، أي فكذبوا بآيات الله ، ومكروا برسل الله (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) أي فأخذهم الله «بالبأساء» أي بالمحن والشدائد ، كتسليط العدوّ عليهم ، ووقوعهم ليده ، يقتل ويسلب ، «والضراء» أي الفقر والجدب ، ونقص الأموال والأنفس والثمرات .. وذلك لتتفتح قلوبهم إلى الله ، وترفع أكفّهم بالضراعة إليه ، ومن ثمّ يكون لهم إلى الله عودة ، لو عقلوا ، وتدبّروا. إذ أن من شأن الشدائد أن تصفّى النفوس من شوائب الضلال العالقة بها ، وتنقّى القلوب من الوساوس المستولية عليها ، وتكشف عن العقول الظلام المحيط بها .. هذا إذا كان كيان الإنسان سليما ، وكانت تلك الأمور عللا عارضة ، تقبل الدواء المرّ وتنتفع به ، وتجد فيه الشفاء والعافية .. أما إذا كان الكيان فاسدا بطبيعته ، فلا دواء ولا شفاء .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) أي لعلّهم حين ترهقهم الشدة ، ويكربهم الضرّ ، يتذلّلون لله ، ويضرعون إليه.
وفى هذا الترجي «لعلّ» إشارة إلى المطلوب منهم فى تلك الحال ، إذ هى