من كل كائن أن يسبّح لله به ، إذ هو الذي خلقه وأوجده من عدم .. والوجود بالإضافة إلى العدم نعمة تستأهل الشكر ، وتستوجب الحمد .. فأى موجود ـ على أية صفة ، وعلى أي حال ـ هو نفحة من نفحات الله سبحانه ، وعطاء من عطائه ، وصنعة من صنعته ، وليس كذلك العدم ، الذي هو فناء مطلق ، وتيه وضياع أبدىّ .. إنه لا شىء ، وشىء خير من لا شىء!
إن أي موجود ـ على أية صفة وعلى أي حال ـ هو مجلى قدرة الله ، وآية من آيات تلك القدرة الخالقة المبدعة المصوّرة ، وإشارة دالة على وجود الخالق ، إذ لا يعرف الخالق إلا بما خلق ..
وفى أول ما تلقّى النبىّ الكريم من ربّه : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فكانت صفة الربوبية والخلق أول ما صافح أذن النبىّ ، ومسّ شغاف قلبه من صفات الحق جلّ وعلا .. فالربوبية والخلق صفتان متلازمتان ... إذ لا ربوبية إلا لمربوبين ، ولا خلق بغير ربوبية ، تمسك الخلق ، وتحفظ عليهم وجودهم .. ومن هنا ندرك بعض السرّ فى أن كانت فاتحة الكتاب ، مفتتحا لرسالة الإسلام وكتابها الكريم ، وأن كانت صلاتنا ـ وهى عماد ديننا ـ وتسبيحا بالفاتحة ، وأن كان الحمد مفتتح الفاتحة.
وقوله سبحانه : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) هو صفة الله ، المحمود بما خلق من السموات والأرض ، وما أبدع فى خلقه ، وخالف بين مخلوقاته ، فجعل الظلمات وجعل النور ..
وهنا أمور يجب الوقوف عندها :
فأولا : جمع السموات وإفراد الأرض ..
وفى القرآن الكريم ، جاءت السموات بلفظ الجمع ، كما جاءت بلفظ المفرد : هكذا «السماء» .. ولم تجىء الأرض إلا بلفظ المفرد هكذا : «الأرض».