قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).
فى هذه الآية أمور :
أولا : ضياع أمانة «العدل» فى القسمة بين الزوجات ، التي حملها الزوج ، ودعى من الله إلى الوفاء بها ، وهو ـ وإن يكن أمرا قد تجاوز الله سبحانه وتعالى عنه فى تلك الحال ـ هو تضييع لتلك الأمانة ، وعدوان عليها ..
وهذا أقل ما فيه أنه يدعو الإنسان أن يفكر طويلا قبل أن يدخل فى هذه التجربة ، ويعرّض نفسه لأن يكون فى عداد الظالمين المعتدين .. وهذا أقلّ ما فيه أيضا أن يزهّد الإنسان فى التزوج بأكثر من وحدة.
وثانيا : قوله تعالى : (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) يقطع كل أمل عند من تحدثه نفسه بأنه ـ إذا جمع أكثر من امرأة فى عصمته ـ قادر على أن يحقق العدل بينهما .. فذلك أمر فوق مقدور البشر ، إذ كان الحكم فيه للقلب ، ولا سلطان للإنسان على قلبه .. ولهذا كان النبىّصلىاللهعليهوسلم يقول متوجها إلى ربه فى قسمته وعدله بين نسائه : «هذا قسمى فيما أملك ، فلا تلمنى فيما لا أملك وتملك».
وثالثا : من ابتلى بهذه التجربة ـ تجربة الجمع بين أكثر من زوجة ـ فعليه أن يستشعر دائما أن ميزان العدل الممسك به بين زوجاته لن يستقيم أبدا ، فهو قلق مضطرب ، يميل هنا مرة ، ويميل هناك مرة .. وهكذا .. والمطلوب منه فى تلك الحال أن يحفظ توازن هذا الميزان فى يده ، مع ميله واضطرابه ، وإلا شالت إحدى كفتيه فكانت فى السماء ، على حين هوت الأخرى فلصقت بالأرض .. وبهذا يفقد الميزان أثره وفاعليته ..