كان عدوانا على المرأة ، هو عدوان لردّ عدوان ، وهو ما أجازه الله سبحانه وتعالى فى قوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١٩٤ : البقرة) ثم هو ـ أي العدوان هنا ـ إمضاء لأمر الله تعالى فى اللائي يأتين الفاحشة من النساء.
وذلك فى قوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً).
وفى قوله تعالى : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) دعوة إلى ما ينبغى أن تكون عليه حياة المرأة مع الرجل ، وهو أن تعاشر بالمعروف ، وأن تعامل بالإحسان ، حتى وهى مأخوذة بجريرتها التي قضت عليها بالإمساك فى البيت.
وفى قوله تعالى : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) وصية كريمة من الله ، بالإحسان إلى المرأة ، أيّا كانت نظرة الرجل إليها ، وموقعها من قلبه .. فقد لا يجد فى عشرته معها ، والسكن إليها ، ما يشرح صدره ، فيحمله ذلك على الضجر بها ، والتبرم منها ، فيسىء عشرتها ، ويرميها بالأذى ، حتى يحملها على أن تترضاه من مالها ليطلقها .. وهنا يلقاه قوله تعالى : (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) .. فيتقبل هذا المكروه ، ويصبر عليه ، ثم ينجلى الموقف عن غير ما كان يحسب ويقدر ، وإذا المرأة التي كان يكرهها قد علقت بقلبه ، وملأت حياته أنسا ومسرّة .. فإنه ما أكثر أن تجىء الأمور على غير حسابنا وتقديرنا. فما نحسبه خيرا قد يجىء من ورائه الشرّ ، وما نراه مكروها قد يجىء بما نحبّ ونرضى!
وفى هذه الوصاة الكريمة ، تنفير من الطلاق ، وتحذير من المبادرة إلى هوى النفس ، الذي يدعو إلى الطلاق ، على حساب أنه الخير ، وقد يكون الشرّ كلّه كامنا وراءه.