وقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً).
هو استكمال «للوصاة التي أوصى الله بها الرجال بالنساء .. ألا يرثوهن كرها أو يعضلوهن ، وأن يعاشروهن بالمعروف ، وأن يصبروا على ما يشعرون به من ضيق أو أذى منهن ، فقد يكون من وراء ذلك خير كثير ..
ثم إنه إذا لم يكن بد من الفرقة والطلاق ، فليكن كما أمر الله : (تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) فلا يعمل الرجل على أن يستردّ مما أعطاها من مهر شيئا ، وألا يحملها حملا على أن تخلص من بين يديه ، وأن تفتدى نفسها من عشرته بالمال .. وليقف عند أمر الله سبحانه : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) إن ذلك عدوان عليها ، وسلب لحق وقع فى يدها .. (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) فذلك ما ينكره الله ، ويجزى عليه جزاء الآثمين .. والبهتان : هو العدوان ، وتبرير هذا العدوان بطلاء زائف من التمويه والخداع.
وفى قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) إنكار بعد إنكار لأن تمتد يد إلى هذا الذي فى يد المرأة ، التي أصبحت هى ومالها أمانة فى يد الزوج .. فكيف يخون الرجل أمانة من عاشره ، واختلط به ، وأصبح فى حال ما ، بعضا منه؟ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) .. والإفضاء إلى الشيء الوصول إليه ، والتغلغل فى صميمه.
والميثاق الغليظ : هو العهد القوىّ المؤكد ، وهو ما أخذه الله على الرجال للنساء فى قوله تعالى : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) .. وقد وضع الله هذا الميثاق الغليظ المؤكد فى يد المرأة. ليكون لها أن تقاضى الرجل به عند الله! وفى هذا تغليظ لهذا الميثاق الغليظ!