وفى قوله تعالى :
(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) بيان لبعض الأسس التي يقوم عليها منهج التربية ، التي يأخذ بها النبىّ جماعة المؤمنين ..
وأول هذه الأسس : العفو عن المسيء .. وفى هذا ما يفتح منافذ قلبه ويصفيه من دواعى الحسرة والألم ، وينزع منه وساوس السوء والشر ..
وثانى هذه الأسس : الاستغفار لهذا المسيء ، وطلب الرحمة والمغفرة له من الله .. وهذا إحسان بعد إحسان .. يزيد قلبه صفاء ، ونفسه إشراقا ، وولاء.
فإذا استوت جماعة المسلمين على تلك الصورة الكريمة ، فلم يكن فيها مذموم أو مطرود ، ولم ينتظم فى عقدها النظيم معطوب أو مقهور ـ كانت جميعها قلبا واحدا ، ومشاعر واحدة ، تتحرّى خير الجماعة ، وتنشد أمنها وسلامتها ، وهنا يجىء ثالث الأسس فى مكانه الصحيح : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) فتعطى المشورة ثمرتها الطيبة ، التي هى خلاصة ما فى القلوب من خير ، ومنخول ما فى العقول من رأى .. وهنا يتضح الأمر المنظور إليه ، ولم يبق إلا انعقاد العزم عليه ، وإمضائه على الوجه المرسوم .. وهذا ما أمر الله به فى قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) الذين يعتمدون عليه ، ويفوضون أمرهم إليه ، بعد أن يعطوا هذا الأمر كل ما عندهم من رأى وعزم.
____________________________________
الآية : (١٦٠)
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٦٠)
____________________________________