التفسير : هذه لتتة خاصة من الله سبحانه إلى رسوله الكريم ، وأن الله سبحانه وتعالى قد أودع قلب نبيّه الرّحمة بالمؤمنين ، ليكون فيهم الأب الودود الرحيم ، يرعى أبناءه ، ويسدّد خطاهم ، ويتقبل من محسنهم ، ويعفو عن مسيئهم .. هكذا النبىّ فى مجتمع المسلمين .. إنه أب لهذه الأسرة الكبيرة ، يسعها قلبه الكبير ، بعطفه ، وحلمه ، ومودته ..
(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) .. على هذا الخلق الكريم صنعه الله وطبعه ، وبهذه الرحمة أرسله رحمة وهدى للعالمين.
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) الباء هنا للسببية ، أي بسبب ما أودع الله فيك من رحمة ، كان منك هذا اللّين ، وذلك العطف على المؤمنين ..
(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وفى هذا كشف للطبيعة البشرية ، وأن الناس إنما يألفون من يتألفهم ، ويحسن إليهم ، ويلقاهم بالصفح الجميل .. وعلى غير هذا من كان حادّ الطبع ، شرس الخلق ، غليظ القلب ، لا يقيل عثرة ، ولا يغفر زلة .. إنه لن يجد من الناس إلّا المقت والنفور ..
وأنه إذا صح لإنسان ـ وهو غير صحيح ـ أن يسوّى حسابه مع الناس على هذا الوجه ، القائم على الغلظة والشدة ، والمنتهى به إلى القطيعة والعزلة ـ فإنه لا يصح أبدا ، ولا يستقيم بحال ، لمن كان بمكان الرياسة والقيادة لأية جماعة من الجماعات ، كثر عددهم أو قلّ .. فإن الخيط الذي يمسك به كيان الجماعة ويشدّها إليه ، هو ما يفيض عليها من قلبه ، من رحمة ، وحدب ، ولين ، ولطف ، وإلّا تقطعت بينه وبينها الأسباب ، ولو كانوا أبناءه وخاصة أهله!