ويغلبون ، ويقتلون ويقتلون ، ويصيبون ويصابون .. وهكذا الدنيا .. وتلك سنّة الحياة فيها .. لا تدوم على وجه واحد ، بل هى وجوه متقلبة متغيرة! تقبل وتدبر ، وتضحك وتبكى ..
وذلك هو الذي يعطى الحياة حيوية ، وهو الذي يغرى الناس بالسعي والعمل ، لينتقلوا من حال إلى حال ، ومن وضع إلى وضع .. ولو أخذ الناس بوضع ثابت مستقر ـ ولو كان ذلك فى أحسن حال ، وأمكن وضع ـ لماتت فى أنفسهم نوازع التطلعات إلى المستقبل ، ولخمدت فيهم جذوة الحماس للكفاح والنضال.
وقوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) بيان لحكمة الله من هذا الابتلاء .. ففى هذا الابتلاء ، وتحت وطأة القتال ، ينكشف إيمان المؤمنين ، ويعرف ما عندهم من صدق وبلاء .. فيكتب لهم ما كان فى علم الله ، وما وقع منهم ، وهو أنهم مؤمنون مجاهدون!
وفى قوله تعالى : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) إشارة إلى أن جماعة المؤمنين الذين كانوا مع النبىّ فى أحد ـ كانوا جميعا على درجة عالية من الإيمان ، وأنّ أنزلهم درجة فى هذا الإيمان كان مؤهلا لأن يكون فى عداد الشهداء ، ولهذا جاء قوله تعالى : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) خطابا لهم جميعا ، وكان نسق النظم أن يجىء هكذا : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) ، ولكنّ هذا يعزل بعض المجاهدين عن أن يكونوا فى المؤمنين ، الصالحين لأن يتخذ الله منهم شهداء ..
وفى قوله تعالى : (وَيَتَّخِذَ) إشارة كريمة إلى هذا المقام الكريم الذي يرتفع إليه الشهداء ، وأنهم خيار المؤمنين ، والمصطفين منهم ، ولهذا اتخذهم الله شهداء .. إذ الاتخاذ أخذ عن اختبار واختيار ..