ففى قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) نفحة من الله ، تنزل على النبىّ وعلى المؤمنين معه ، بما يهوّن عليهم كل مصاب ، ويجلو عن صدورهم كل همّ وحزن!
وهل مع قول العزيز الرحيم : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) يكون ما يوهن ويضعف ، أو يبقى ما يسوء ويحزن؟
وسبحانك ربى! ما أوسع رحمتك ، وما أعظم فضلك ، وما أكثر برّك بالمؤمنين ، ورعايتك للمجاهدين!! تبتليهم فى أموالهم وأنفسهم ، لتضاعف لهم الأجر ، وتعظم لهم المثوبة ، ثم تعود بفضلك ورحمتك فتعافيهم مما ابتليتهم به ، وتملأ قلوبهم سكينة ورضى ومسرة ، بما تسوق إليهم من رحمات وبشريات!
وفى قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) حكم من لدن حكيم عليم ، حكم به للمؤمنين أن يكونوا دائما فى المنزلة العليا فى هذه الحياة .. لهم العزة والغلب على أعدائهم أبدا ، مصداقا لقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١٤١ : النساء)
وفى قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تثبيت للمؤمنين على الإيمان .. وأنهم إذا ثبتوا على إيمانهم ، وأعطوا هذا الإيمان حقّه من الصبر والتقوى ، فإنهم لن يهنوا ولن يحزنوا أبدا ، وأنهم الأعلون أبدا ..
وقوله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) هو عزاء آخر للمؤمنين لما أصيبوا به فى أنفسهم ، ولما أصيبوا به فى أهليهم .. وأنهم إن يكونوا قد أصيبوا اليوم بما يؤلم ويوجع ، فقد أصابوا هم أعداءهم بما يؤلم ويوجع! ثم ليعلم المؤمنون من هذا أن طريقهم فى مسيرتهم مع الإسلام ليست كلها يوما واحدا كيوم بدر ، بل إنهم سيغلبون