وإنه لمن العسير أن يتخلّصوا من هذا المعتقد الذي دانوا به ، وأقاموا له بناء ضخما من المنطق العاطفى ، الذي امتزج بتفكيرهم ، واختلط بمشاعرهم .. وهيهات ـ والأمر كذلك ـ أن يستمعوا إلى قول يخالف ما قالوا ، وأن يتصوّروا المسيح على غير الصورة التي انطبعت فى كيانهم.
وإذن ، فالحديث إليهم بمنطق العقل لا يجدى شيئا ، وإقامة البراهين والحجج بين أيديهم لتفنيد ما زعموا ، سيلقونها ببراهين وحجج ، وإنه لا محصّل لهذا إلّا المماحكة والجدل ، واتساع شقة الخلاف والخصام.
وإذ كان الأمر كذلك ، فلا جدال مع أتباع المسيح فيما يقولون فيه .. فإن جاءوا إلى النبىّ الكريم يجادلونه ويحاجّونه ، فلا يلقاهم النبي بجدال وحجاج ، إذ خرج الأمر فيه عن العقل ومنطقه ، عند أتباعه ، وصار إلى الوجدان والعاطفة .. فليكن مقطع الحق فى هذا الموقف ، أن يصار فيه إلى الأسلوب العملىّ الملموس الذي يجابه الحواس ، ويؤثّر آثاره فيها ، بحيث يعلق الأثر بمن وقع عليه ، ويجد مذاقه .. الحلو أو المرّ ، فى نفسه.
وجاء وفد من نصارى نجران ، بعد أن أداروا الأمر فيما بينهم ، وأعدوا له العدة ـ جاءوا يحاجّون النبىّ فى «المسيح» بما عندهم من مقولات فيه ، وهم يريدون أن يسقطوا ما تلقّى النبىّ من كلمات الله فى المسيح وفى أمّه ، وبذلك تسقط دعوى النبىّ كلها بأنه رسول من عند الله ، وأن ما بين يديه من قرآن هو من عند الله.
وأخذ النبىّ ـ كما أمره الله ـ الطريق عليهم ، فدعاهم إلى أن يدخلوا معه فى تجربة عملية ، هى أبلغ من كل قول ، وأقوى من كل حجة ..
(تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا