فهذه كلمات علوية سماوية من ربّ العزة ، جاءتهم على لسان نبى كريم : (وَقُولُوا حِطَّةٌ).
ومع هذا فقد سوّلت لهم أنفسهم الخبيثة أن يغيّروا ويبدلوا من صور هذه الكلمات ، لا لشىء إلا لإرضاء نزعة العناد الصبيانى فيهم ، وإشباع غريزة التخريب الطّفلى عندهم .. (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) إنهم لم يستطيعوا أن يحملوا أمانة الكلمة ، فكيف بأمانة العمل؟ ولهذا كانت الصفة الغالبة عليهم : نقض المواثيق ، والتحلل من العهود والعقود .. وكان ذلك هو الوصف الملازم لهم فى القرآن الكريم : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (١٢ المائدة) (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ، وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ، وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) : (٢٧ : البقرة).
وقوله تعالى : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
تلك آية من آيات الله البينة ، ونعمة من نعمه الجليلة ، على هؤلاء القوم الشاردين عن موارد الحق والهدى .. تتحرق أكبادهم عطشا فى هجير الصحراء ، فتطلع عليهم رحمة الله ، فيما يتلقى موسى من أمر ربه : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) فيتدفق الماء عذبا زلالا ، من اثنتي عشرة عينا ، بعدد قبائلهم.
وانظر كيف أبت عليهم نفوسهم المتبلدة الضيقة أن تتآلف جماعاتهم فى وجه تلك المحن التي يلاقونها فى هذا التّيه ، فتعيش كل جماعة منهم فى محيطها .. اثنتي عشرة جماعة!!