هكذا قطّعوا أمما وهم فى هذا التيه ، وهكذا هم يقطّعون أمما فى الأرض ، ويتيهون فى الأمم والشعوب إلى يوم الدين.
وفى قوله تعالى : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) إشارة إلى تدفق الماء بقوة وغزارة أكثر مما فى قوله تعالى فى سورة الأعراف (فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) .. فالانبجاس دون الانفجار ، قوة وأثرا.
وهذا الاختلاف فى التعبير إنما هو لاختلاف الحال ، فحين ضرب موسى الحجر كان الانبجاس أولا ، ثم تلاه الانفجار .. فكل من الانبجاس والانفجار وصف لحال من أحوال ضربة العصا ، وأثر من آثارها .. وذلك وجه مشرق من وجوه الإعجاز ، فى التكرار الوارد على الأحداث ، فى القصص القرآنى ، كما سنعرض له ، بعد ، إن شاء الله.
وفى قوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ).
حكم قاطع على هذه الجماعة الشاردة المعربدة ، بأن تشتمل عليها الذلة والمسكنة باطنا وظاهرا ، أي فى كيانها الذاتي ، وفى واقع الحياة المسلطة عليها ، فقد كان العقاب الطبيعي لهذا الغرور المستولى عليهم أن يقتل الله فيهم معانى الإنسانية الكريمة ، وأن يميت فى نفوسهم كل معالم القوة والرجولة ، ثم يسلّط عليهم ـ مع هذا ـ من خارج أنفسهم قوى تسيمهم الخسف والهوان ، كما يقول تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) (١٦٧ : الأعراف) .. وهذا هو معنى ضرب الذلة والمسكنة عليهم ، فالضرب بالشيء على الشيء ، هو إحاطته به واشتماله عليه ، كما تضرب الخيمة على من تحتها!
وفى قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ