والشكر ، وهذا غير صحيح ، فالحياة على أية حال من الأحوال خير من العدم والله سبحانه وتعالى يقول : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) (٥٢ : الإسراء) والمراد بالدعوة هنا الدعوة إلى الحشر ، التي يستجيب لها الأموات جميعا بالحمد لله رب العالمين.
ثم إن مجىء الآيات بعد هذا خطابا عاما لبنى إسرائيل ، معدّدة النعم التي أنعم الله بها عليهم ، مذكرة بالبعث بين عرض هذا النعم ـ فيه إيقاظ للشعور بيوم الجزاء ، والعمل له ، وتغليظ للمنكرات التي يقترفها القوم ، فى مواجهة هذه النعم الجليلة المتتابعة عليهم.
وفى قوله تعالى : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ، وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ، كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ، وَما ظَلَمُونا ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ..
عرض لبعض هذه النعم .. ففى التّيه الذي رماهم الله به فى الصحراء ، وكتبه عليهم أربعين سنة ، لم تتخلّ عنهم رحمة الله ، فساق إليهم الغمام ليظلّهم من وقدة الشمس ، ولفح الهجير ، وأرسل عليهم المنّ والسلوى ، طعاما لا يتكلفون له عملا ، فالمنّ مادة عسلية تفرزها بعض الأشجار ، والسلوى طيور طيبة الطعام هى السّمانى.
ولكن هذه الألطاف الرحمانية ، وهذا الطعام الطيب المسوق بقدرة الله ، المحفوف برحمته ؛ لم تستسغه هذه النفوس الحيوانية ، فعافته وتنكرت له ، وطلبت ما يملأ معدة الحيوان .. من بقل وقثاء ، وحنطة وعدس وبصل! ، فكان أن أجابهم الله إلى ما طلبوا ، وساقهم سوق الحيوان إلى المرعى الذي يجدون فيه الطعام الذي اشتهوا!!