وسنرى فى قصة آدم ، التي نحن بصددها ، أنها تسبق ما يقرره «داروين» فى نظرياته ، عن التطور وأصل الأنواع!
ونعود إلى تلك القصة ، فنقول :
ربما رأى بعض علمائنا أن فى قوله تعالى : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ، فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) ، وفيما جاء من الآيات التي تحدّث عن دعوة الله سبحانه وتعالى الملائكة أن يسجدوا لآدم ، عند ما ينفخ فيه الحق جل وعلا من روحه ـ قد يرى بعض علمائنا أن فى هذا ما يدل على أن آدم قد انفرد بخلق خاص ، دون سائر المخلوقات الأرضية ، وأنه لهذا استحق التكريم والاحتفاء!
ونقول : إن ما ورد فى الآية السابقة وأمثالها ، إن دلّ على خصّيصة لآدم ، فإنه لا ينفى أن يكون ذلك قد كان حين وصل تطور الحياة بالأحياء إلى هذه المرحلة ، التي بلغ فيها التطور غايته ، بظهور هذه السلالة الناضجة من ثمرات الحياة ، وبزوغ أول مواليد النوع الإنسانى .. ويكون معنى قوله تعالى : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ، فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) أنه إذا بلغ الكتاب أجله بهذا الطين ، الذي سرت فيه الحياة ، وتوالدت منه الأحياء ، إلى أن آذنت فى تطورها بظهور النوع البشرى الذي تهيأ لقبول النفخة الإلهية فيه ـ «فقعوا له ساجدين» إذا هو تلقى النفخة من روح الحق جلّ وعلا ، وتكون تلك النفخة هى منحة السماء للأرض ، فى يوم ميلادها لمولودها الذي يدبّر أمرها ، ويكون خليفة الله عليها.
ولعل فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) لعل فى هذا ما يشعر بالمعنى الذي ذهبنا إليه ، وهو أن آدم لم يجىء من الطين مباشرة ، وإنما كان ذلك بعد سلسلة طويلة من التطورات ، وبعد عمليات