معقدة من التصفية والانتخاب ، استمرت ملايين السنين ، حتى انتهت بظهور الإنسان على تلك الصورة التي علا بها جميع أبناء سلالاته ، وكان أهلا لتلقى النفخة الإلهية يوم مولده ، وكأنها التاج الذي توّج به ملكا على العالم الأرضى كله. وهذا ما تشير إليه أيضا الآية الكريمة: «ما لكم لا ترجون لله وقارا ، وقد خلقكم أطوارا».
ثم إن النظر العابر فى عالم الأحياء يعطى دلالة قاطعة على أن الإنسان هو من طينة الأسرة الحيوانية .. فهذا التشابه الكبير فى تركيب الأعضاء ، والحواس ، وعملية الهضم ، والتنفس ، ومجرى الدم فى العروق ، ثم فى عملية التناسل فى مراحلها المختلفة .. كل هذا التشابه يقطع بأن الإنسان حيوان قبل أن يكون إنسانا! وإنك لتجد الإنسان كله فى أدنى المخلوقات ، وفى أرقاها .. من الدودة والحشرة ، إلى القرد والغوريلا.
وعلى هذا ، فإننا لا نستطيع أن نقبل أقوال المفسرين فى خلق آدم ، على تلك الصورة التي يرسمونها للأسلوب الذي ولد به ..
فمثلا ، «القرطبي» يقول فى تفسيره عن خلق آدم : «فخلقه الله بيده ، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة (١) ، فمرت به الملائكة ، ففزعوا منه لمّا رأوه ، وكان أشدهم فزعا إبليس ، فكان يمر به ، فيضربه ، فيصوّت الجسد ، كما يصوّت الفخار تكون له صلصلة ، ويقول إبليس : «لأمر ما خلقت!!» (٢).
__________________
(١) تبعا للمقولات الإسرائيلية التي تقول إن الله خلق الأحياء فى يوم الجمعة .. وقد اقتطع القرطبي من هذا اليوم أربعين سنة لخلق آدم ، على اعتبار أن اليوم عند الله كألف سنة من أيامنا.
(٢) تفسير القرطبي.