ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) (الآية : ١٤٢) .. إنهم لم يقولوا بعد شيئا ، ولكنهم سيقولون ، حين يجىء الأمر الذي قدره الله وأراده!
وسنرى فى الآيات الآتية كيف كان دفاع القرآن ، وكيف كان ردّه وردعه لهؤلاء السفهاء ، المتطاولين على الحق ، المتربصين به وبأهله السوء!
* * *
وإنك لترى من هذا كلّه أن آية النسخ كانت مقدمة الدفاع ، فى قضية التحوّل بالقبلة إلى المسجد الحرام .. وكأنها تقول للمسلمين ولأهل الكتاب : إن الله سبحانه وتعالى إذا نسخ آية من آياته ، أو بدل حكما من أحكامه بحكم آخر ، فذلك بمقتضى حكمته ورحمته بعباده.
وقد نسخ الله كثيرا من الشرائع التي تقدمت شريعة الإسلام ، وأنساها فلم يعد أحد يذكر عنها شيئا .. فأين رسالة نوح؟ وأين صحف إبراهيم التي ذكرها القرآن فى قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى ، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)؟ وأين رسالات الأنبياء : صالح ، وهود ، وشعيب ، ولوط؟
يقول ابن كثير فى تفسيره :
«والذي يحمل اليهود على البحث فى مسألة النسخ هو الكفر والعناد ، فإنه ليس فى العقل ما يدل على امتناع النسخ فى أحكام الله تعالى .. لأنه يحكم ما يشاء ، كما أنه يفعل ما يريد .. كما أنه قد وقع ذلك فى كتبه المتقدمة ، وشرائعه الماضية ، كما أحل لآدم تزويج بناته من بنيه ثم حرّم ذلك ، كما أحلّ لنوح عليهالسلام بعد خروجه من السفينة ، جميع الحيوانات ، ثم نسخ حلّ بعضها ، وكان نكاح الأختين مباحا لإسرائيل وبنيه ، وقد حرّم فى شريعة التوراة وما بعدها. وأمر إبراهيم عليهالسلام بذبح ولده ، ثم نسخه قبل الفعل ...» (١)
__________________
(١) تفسير ابن كثير. الجزء الأول.