المقاصير ، وكانت قريبا من ثلاثمائة خزانة ومقصورة ، وجددوا فيها قوارير البول والعرس والسجاجيد الكثيرة ، ومنع ان يبيت أحد من المجاورين بجامع دمشق ، وأشيلت الدرابزينات فاستراح الناس والجامع من ذلك ، واتسع على المصلين ، وذلك في سنة ثمان وستين وستمائة بولاية افتخار الدين أيار الحراني ، وكانت قد رفعت من الجامع جميع الخزائن والصناديق في سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، ثم أعيدت وصلى خلد الله ملكه فيه في هذه السنة بعض الجمع ، وطاف فرأى لحائط القبلي قد اتسخ رخامه وتشعثت الفسيفساء فأمر بإصلاحها وغسل الأساطين وتذهيب رؤوسها ، وتغيير ما يجب تغييره من الرخام ، وذهب تأزيره والكرمة ، وهي التي تدور به ، ولما طاف بالحائط وبقية الحيطان فرآها غير مرخمة أمر بترخيمها على مثال ترخيم الحائط القبلي ، فجلب إليها الرخام من كل جهة فجاءت احسن ما عملت قديما ، وأصرف فيها ما ينوف على عشرين ألف دينار ، وبنى مشهد السيد زين العابدين وكان قد استولى عليه الخراب ، ودخل إليه ليلا مستخفيا ، فرأى فيه قوما نياما وآخرين قياما ، فأمر للقيام بصدقة سنية ، وأمر أن لا يسكن به أحد ، فأخرج من كان مقيما له سنين ، ولم يبق فيه سوى رجل واحد ، رآه كثير العبادة مثابرا على ما هو بصدده ، وكان لكل من كان به مقيما موضع قد أفرده واقتطعه ، وعمل فيه صندوقا وأحاطه بمقصورة حتى صار بها كأنه خان ، وأمر بتجديد باب البريد ، وفرشه بالبلاط ، ونقل سوق الشماعين إلى الحوانيت التي في حائطه ، وكان بها قبل سوق الأكفان ، ولما دخل دمشق المولى الصاحب بهاء الدين علي بن محمد (١) مع مولانا السلطان خلد الله ملكه في سنة تسع وتسعين وستمائة نظر في وقوفه وما يصرف منها لأرباب الرواتب ممن كان منهم مستغنيا وليس به انتفاع في علم أبطله ، ومن كان منهم ذا حاجة ولم يكن لديه علم رتب له على بيت المال ما يقوم به ، وصرف ما كان مقررا لمن أبطله في مصالح الجامع وفيمن للمسلمين الانتفاع بعلمه ، ورتب فيه مصحفا يقرأ فيه بعد صلاة الصبح تحت قبة النسر ، وأجرى على القارئ فيه كل شهر شيئا معلوما.
__________________
(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٥٨.