شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، لرؤية الاسطرلاب الذي ابدع وضعه ، فوجدته قد وضعه في قائم حائط في منزله داخل باب الفراديس في درب الطيار ، ورأيت هذا الاسطرلاب ، فأنشأ لي طربا ، ووجد لي في المعارف أربا ، وقلت : ان من تقدمه من الافاضل عند جبل علمه الراسخ هباء ، ولو رآه اقليدس لما كان عنده إلا نقطة من خطه ، او ارشميدس لرأى شكله قطاعا في تحريره وضبطه ، فسبحان من يفيض على بعض النفوس ما يشاء من المواهب ، ويجدد في كل عصر من يحيي رسوم الفضل الذي عدم في الليالي الذواهب ، وصورة الاسطرلاب المذكور ، قنطرة مقدار نصف او ثلث ذراع تقريبا ، يدور أبدا على الدوام في اليوم والليلة من غير رحى ولا ماء على حركات الفلك ، لكنه قد رتبها على اوضاع مخصوصة تعلم منه الساعات المستوية والساعات الزمانية انتهى. واليه ينسب عمل المنحرفتين في قبلة مأذنة العروس بالجامع الاموي المذكور انتهى. وحدث ابو الفضل يحيى بن علي (١) القاضي أن ادرك في الجامع الاموي قبل حريقه طلسمات لسائر الحشرات معلقة في السقف فوق البطائن مما يلي السبع ، وأنه لم يوجد في الجامع الاموي شيء من الحشرات قبل الحريق ، فلما احترقت الطلسمات وجدت انتهى.
وكان حريق الجامع الاموي ليلة النصف من شعبان بعد العصر سنة احدى وستين واربعمائة. قال الذهبي في كتاب العبر : في سنة احدى وستين هذه في نصف شعبان احترق جامع دمشق الاموي كله من حرب وقع في الدولة فضربوا بالنار دارا مجاورة للجامع الاموي فقضي الامر واشتد الخطب ، وأتى الحريق على سائره ، ودثرت محاسنه وانقضت ملاحته انتهى.
ووجد في كتاب لبعض أهل دمشق : أقيمت قبة الرخام التي فيها فوارة الماء في سنة ست وتسعين وثلاثمائة. وقال جعفر بن دواس الكناني المعروف بقمر الدولة يصف هذه الفوارة شعر :
__________________
(١) شذرات الذهب ٤ : ١٠٥.