ولما نزل «باخمرا» كتب إليه سلم بن قتيبة : إنك قد أصحرت ومثلك أنفس به على الموت ، فخندق على نفسك ، فإن كنت لم تفعل ، فقد أعرى المنصور عسكره ، فخفّ في طائفة حتى تأتيه فتأخذ بقفاه ، فعرض ذلك إبراهيم على قوّاده فقالوا : نخندق على نفوسنا ونحن ظاهرون عليهم! والله لا نفعل.
وقال بعضهم : أنأتيه وهو في أيدينا متى أردنا؟ وقال آخر : لما التقى الجمعان قلت لإبراهيم : إن الصف إذا انهزمت تعبئته تداعى ، فاجعلنا كراديس ، فإن انهزم كردوس ثبت كردوس ، فتنادى أصحابه : لا لا ، إلا تعبئة أهل الشام وقتالهم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) (١).
وقال آخر : أتيت إبراهيم فقلت : إنهم مصبحوك بما يسدّ عليك مغرب الشمس في السلاح والكراع ، وإنما معك (٢) رجال عراة ، فدعنا نبيّتهم ، فقال : إني أكره القتل. فقلت : تريد الملك وتكره القتل! والتقوا «بباخمرا» ، وهي على يومين من الكوفة ، فاشتدّ الحرب ، والتحم القتال ، فانهزم حميد ابن قحطبة ، وكان على المقدّمة ، فانهزم الجيش ، فناشدهم عيسى بن موسى الله تعالى ، ومرّ الناس ، فثبت عيسى في مائة فارس من خواصّه ، فقيل له : لو تنحّيت فقال : لا أزول حتى أقتل أو أفتح ، ولا يقال انهزم (٣).
وعن عيسى قال : لما رأى المنصور توجيهي إلى إبراهيم قال : إن المنجّمين يزعمون إنك لاقيه ، وإن لك جولة ، ثم يفيء (٤) إليك أصحابك ، فكان كما قال ، فلقد رأيتني وما معي ثلاثة أو أربعة ، فقال غلامي : علام تقف؟
__________________
(١) قرآن كريم ـ سورة الصف ـ الآية ٤.
(٢) في نسخة القدسي ٦ / ٢٥ «فعل» والتصحيح من الطبري ٧ / ٦٤٤.
(٣) الطبري ٧ / ٦٤٤ و٦٤٥.
(٤) في الأصل «بقي».