فقلت : والله لا ينظر إليّ أهل بيتي منهزما ، ثم كان أكثر ما عندي أن أقول لمن مرّ بي من المنهزمين : أقرئوا أهل بيتي السلام ، وقولوا : إني لم أجد فداء أفديكم به أعزّ عليّ من نفسي ، وقد بذلتها لكم ، فأنا لكذلك ، إذ عمد (١) ابنا سليمان لإبراهيم فخرجا من ورائه ، فنظر أصحاب إبراهيم فإذا القتال من ورائهم ، فكرّوا ، فركبنا أعقابهم ، فلو لا ابنا سليمان بن علي لافتضحنا ، وكان من صنع الله أن أصحابنا لما انهزموا ، اعترض لهم نهر دون ثنيّتين عاليتين ، فحالتا بينهم وبين الفرات ، ولم يجدوا مخاضة ، فكرّوا راجعين بأنفسهم ، ثم انهزم أصحاب إبراهيم ، فثبت هو في نحو من خمسمائة. وقيل بل ثبت في سبعين رجلا ، ثم حمل حميد بن قحطبة في طائفة معه ، وقاتلوا قتالا شديدا ، حتى إن الفريقين قتلوا بعضهم بعضا ، وجعل حميد يبعث بالرءوس إلى بين يدي عيسى ، وثبتوا عامّة يومهم يقتتلون ، إلى أن جاء سهم غرب لا يدرى من رمى به ، فوقع في حلق إبراهيم ، فتنحّى عن موقفه ، فأنزلوه ، وهو يقول : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٢) ، أردنا أمرا وأراد الله غيره ، فاجتمع عليه أصحابه يحمونه ، فأنكر حميد اجتماعهم ، وأمر فحملوا عليه ، فقاتلوا أشدّ قتال يكون ، حتى انفرجوا عن إبراهيم ، فنزل أصحاب حميد ، فاحتزّوا رأس إبراهيم ، وأتي به عيسى ، فنزل وسجد لله ، وبعث به إلى المنصور ، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة ، وعمره ثمان وأربعون سنة (٣).
وقيل : كان عليه قباء زرد ، فآذاه الحرّ ، فحلّ إزاره ، وحسر عن صدره ، فأصابت صدره نشّابه ، فاعتنق فرسه ، وكرّ راجعا ، ووصل أوائل المنهزمين من عسكر المنصور إلى الكوفة ، فتهيّأ المنصور للهرب ، وأعدّ النجائب ليذهب إلى الرّيّ ، فيقال : إن نوبخت المنجّم دخل عليه فقال : الظفر لك ،
__________________
(١) في الأصل «صمد».
(٢) قرآن كريم ـ سورة الأحزاب ـ الآية ٣٨.
(٣) الطبري ٧ / ٦٤٦ و٦٤٧.