وعن أبي بكر بن عيّاش قال : قيل للبطّال : ما الشجاعة؟ قال : صبر ساعة. وقال الوليد : أخبرني ابن جابر ، حدّثني من سمع البطّال يخبر مالك بن شبيب أمير مقدّمة الجيش الّذي قتل فيه ، عن خبر بطريق أقرن صهر البطّال ، أنّ ليون طاغية الروم قد أقبل نحوه في مائة ألف ، فذكر قصّة ، فيها إشارة البطّال عليه باللّحاق ببعض مدن الروم والتحصّن به ، حتى يلحقهم الأمير سليمان بن هشام ، وذكر عصيان مالك في رأيه ، قال : ولقينا ليون ، فقاتل مالك يومئذ ومن معه حتى قتل في جماعة ، والبطّال عصمة لمن بقي ، ووال لهم قد أمرهم ألّا يذكروا له اسما ، فتجمّعوا عليه ، فحمل البطّال ، فصاح بعض من معه باسمه وفداه ، فشدّت عليه فرسان الروم حتى شالته برماحها عن سرجه وألقته إلى الأرض ، وأقبلت تشدّ على بقية النّاس مع اصفرار الشمس (١).
قال الوليد : قال غير ابن جابر : وليون طاغيتهم قد نزل ، ورفعوا أيديهم يستنصرون على المسلمين ، ورأوا من قلّة المسلمين وقلّة من بقي ، فقال : ناد يا غلام برفع السيف ، وترك بقيّة القوم لله وانصرفوا ، قال ابن جابر : فأمر البطّال مناديا ، فنادى : أيّها النّاس ، عليكم بسنادة ، فتحصّنوا فيها ، وأمر رجلا على مقدّمتهم ، وآخر على ساقتهم يحمل الجريح والضّعيف ، وثبت البطّال مكانه ، ومعه قرابة له في مواليه ، وأمر من يسير في أوائلهم يقول : أيّها النّاس الحقوا فإنّ البطّال يسير بأخراكم ، وأمر من ينادي في أخراهم : الحقوا فإنّ البطّال في أولاكم ، فلم يصبحوا إلّا وقد دخلوها ، يعني سنادة ، وأصبح البطّال في المعركة وبه رمق ، فلما كان من الغد ، ركب ليون بجيشه ، فأتى المعركة ، فوجد البطّال وأصحابه ، فأخبر به ، فأتى حتى وقف عليه ، فقال : أبا يحيى كيف رأيت؟ قال : وما رأيت ، كذلك الأبطال تقتل وتقتل! فقال ليون : عليّ بالأطبّاء ، فأتي بهم ، فنظروا في جراحة ، فوجدوه قد أنفذت مقاتله ،
__________________
(١) البداية والنهاية ٩ / ٨٣٣٣.