فليعسّ باللّيل ، فإنّه أمين شجاع مقدام. وقال الوليد بن مسلم : حدّثني بعض شيوخنا أنّ مسلمة عقد للبطّال على عشرة آلاف ، فجعلهم يعني يزكا (١).
وحدّثني أبو مروان الأنطاكي قال : كنت أغازي [مع] (٢) البطّال ، وقد أوطأ الروم ذلّا ، قال البطال : فسألني بعض ولاة بني أميّة عن أعجب ما كان من أمري ، فقلت : خرجت في سريّة ليلا ، فأتينا قرية ، وقلت لأصحابي : ارفعوا لجم خيولكم ، ولا تهيّجوا ، ففعلوا واخترقوا في أزقّتها ، ودفعت في ناس من أصحابي إلى بيت فيه سراج وامرأة تسكت ولدها من بكائه وتقول : اسكت أو لأدفعنّك إلى البطّال ، ثم انتشلته من سريره وقالت : خذه يا بطّال ، قال : فأخذته. وخرجت يوما وحدي على فرسي لأصيب غفلة ، ومعي شواء وغيره ، فأكلت ، ودخلت بستانا ، وأسهلني بطني ، فاختلفت مرارا ، وخفت من الضّعف ، فركبت وأسهلت على سرجي ، كرهت أن أنزل فأضعف عن الركوب ، ولزمت عنق الفرس ، وذهب بي لا أدري إلى أين ، فسمعت وقع حوافره على بلاط ، فأفتح عينيّ فإذا دير ، وإذا نسوة يتطلّعن من أبواب الدّير ، فلما رأين حالي وضعفي ، ووقوف فرسي ، رطنت واحدة منهنّ ، فنزعن عنّي ثيابي ، وغسّلن ما بي وألبسنني ثيابي ، وسقينني ترياقا أو دواء ، ووضعت على سرير ، فأقمت يوما وليلة مسبوتا ، وذهب عنّي ذلك ثاني يوم ، وأنا ضعيف عن الركوب ، فجاءها في اليوم الثالث بطريق أقبل في مركبه ، فأمرت بفرسي فغيّب ، وأغلقت عليّ بيتا ، ودخل البطريق ، فسمعت بعض النّسوة تخبر أنّه خاطب لها ، فبلغه شأني ، فهمّ أن يهجم عليّ ، فأقسمت (٣) إن فعل لا نال حاجته ، فأمسك ، ثم تزوّج ، وخرجت فدعوت بفرسي ، فقالت : لا آمن أن يكمن لك ، دعه يذهب ، فأبيت وركبت وقفوت الأثر حتى لحقته ، وشددت
__________________
(١) يزكا : أي حرسا وفي البداية والنهاية لابن كثير (٩ / ٣٣١) : ترسا من الروم أن يصلوا إلى جيش المسلمين.
(٢) إضافة من البداية والنهاية ٩ / ٣٣١.
(٣) أي المخطوبة.