أخبرناه أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر المحمدآباذي أنا إبراهيم بن عبد الله بن عبد الله السعدي أنا يزيد بن هارون أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فحكها بيده فرأى في وجهه شدة ذلك عليه ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «إن العبد إذا صلى فإنما يناجي ربه ، أو ربه فيما بينه وبين القبلة فإذا بصق أحدكم فليبصق عن يساره ، أو تحت قدمه ، أو يفعل هكذا ـ ثم بزق في ثوبه ـ وذلك بعضه ببعض قال يزيد وأرانا حميد».
أخرجه البخاري في الصحيح من وجهين آخرين عن حميد (١).
قال أبو سليمان الخطابي رحمهالله : «فإن الله تعالى قبل وجهه» تأويله أن القبلة التي أمره الله تعالى بالتوجه إليها للصلاة قبل وجهه ، فليصنها عن النخامة وفيه إضمار وحذف واختصار ، كقوله تعالى (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) (٢) أي حب العجل ، وكقوله (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٣) يريد أهل القرية ، ومثله في الكلام كثير ، وإنما أضيف تلك الجهة إلى الله تعالى على سبيل التكرمة ، كما قيل بيت الله وكعبة الله ، في نحو ذلك من الكلام ، وقال في قوله «ربه بينه وبين القبلة» معناه أن توجهه إلى القبلة مغصن بالقصد منه إلى ربه ، فصار في التقدير كأن مقصوده بينه وبين قبلته ، فأمر بأن تصان تلك الجهة عن البزاق ونحوه ، وقال أبو الحسن بن مهدي فيما كتب لي أبو نصر بن قتادة من كتابه : معنى قوله صلىاللهعليهوسلم «إن الله قبل وجهه» أي إن ثواب الله لهذا المصلى ينزل عليه من قبل وجهه ، ومثله قوله «يجيء القرآن بين يدي صاحبه يوم القيامة» أي يجيء ثواب قراءته القرآن.
قال الشيخ : وحديث أبي ذر يؤكد هذا التأويل.
__________________
(١) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الصلاة ٣٤ ـ ٣٦ ـ ٣٨ وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الزهد ٧٤ والنسائي في المساجد ٣٢ والدارمي في الصلاة ١١٦ وأحمد بن حنبل في المسند ٣ : ٦ ، ٢٤ ، ٥٨ ، ٦٥ ، ٨٨ ، ٩٣ ، ٢٠٠ (حلبي).
(٢) سورة البقرة آية ٩٣.
(٣) سورة يوسف آية ٨٢.