قال : وقيل فيها قول آخر : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) (١)؟ أم خلقوا لغير شيء؟ أي : خلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ، ولا ينهون.
قال الشيخ أبو سليمان : وهاهنا قول ثالث هو أجود من القولين اللذين ذكرهما أبو إسحاق ، وهو الذي يليق بنظم الكلام ، وهو أن يكون المعنى : أم خلقوا من غير شيء فوجدوا بلا خالق. وذلك ما لا يجوز أن يكون لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الأمر فلا بد له من خالق ، فإذ قد أنكروا الإله الخالق ولم يجز أن يوجدوا بلا خالق خلقهم أفهم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في الفساد أكثر ، وفي الباطل أشد ، لأن ما لا وجود له كيف يجوز أن يكون موصوفا بالقدرة ، وكيف يخلق ، وكيف يتأتى منه الفعل؟ وإذا بطل الوجهان معا ، قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا ، فليؤمنوا به إذا. ثم قال : (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (٢). وذلك شيء لا يمكنهم أن يدعوه بوجه ، فهم منقطعون ، والحجة لازمة لهم من الوجهين معا. ثم قال : (بَلْ لا يُوقِنُونَ) (٣) فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان ، وهي عدم اليقين الذي هو موهبة من الله عزوجل ، فلا ينال إلا بتوفيقه. ولهذا كان انزعاج جبير بن مطعم رضي الله عنه حتى قال : كاد قلبي أن يطير. والله أعلم.
وهذا باب لا يفهمه إلا أرباب القلوب.
قلت : وقد روى محمد بن السائب عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير هذه السورة ، وقال في هذه الآية : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) (٤) من غير رب؟ (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) (٥) يعني أهل مكة.
__________________
(١) سورة الطور آية ٣٥.
(٢ ـ ٣) سورة الطور آية ٣٦.
(٤) سورة الطور آية ٣٥.
(٥) سورة الطور آية ٣٥.