الشيخ أبو سليمان
الخطابي رحمهالله في تفسير هذا الحديث وتأويله بما فيه الكفاية ، فقال :
قوله : «هل تمارون» من المرية وهي الشك في الشيء والاختلاف فيه. وأصله «تتمارون»
فأسقط إحدى التاءين.
وأما قوله : «فيأتيهم
الله» إلى تمام الفصل ، فإن هذا موضع يحتاج الكلام فيه إلى تأويل وتخريج. وليس ذلك
من أجل أننا ننكر رؤية الله (سبحانه) ، بل نثبتها. ولا من أجل أنّا ندفع ما جاء في
الكتاب ، وفي أخبار رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك المجيء والإتيان ، غير أنّا لا نكيف ذلك ولا جعله
حركة وانتقالا كمجيء الأشخاص وإتيانها ، فإن غير ذلك من نعوت الحدث ، وتعالى الله
عن ذلك علوا كبيرا. ويجب أن تعلم أن الرؤية التي هي ثواب للأولياء وكرامة لهم في الجنة
غير هذه الرؤية المذكورة في مقامهم يوم القيامة. واحتج بحديث صهيب في الرؤية بعد
دخولهم الجنة. وإنما تعريضهم لهذه الرؤية امتحان من الله (عزوجل) لهم يقع بها
التميز بين من عبد الله وبين من عبد الشمس والقمر والطواغيت. فيتبع كل من الفريقين
معبوده. وليس ننكر أن يكون الامتحان ، إذ ذاك يعد قائما ، وحكمه على الخلق جاريا
حتى يفرغ من الحساب ، ويقع الجزاء بما يستحقونه من الثواب والعقاب. ثم ينقطع إذا
حقت الحقائق واستقرت أمور العباد قرارها. ألا ترى قوله : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ
إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) .
فامتحنوا هناك
بالسجود. وجاء في الحديث أن المؤمنين يسجدون ، وتبقى ظهور المنافقين طبقا واحدا.
قال : وتخريج معنى
إتيان الله في هذا إياهم أنه يشهدهم رؤيته ليثبتوه ، فتكون معرفتهم له في الآخرة
عيانا ، كما كان اعترافهم برؤيته في الدنيا علما واستدلالا. ويكون طروء الرؤية بعد
أن لم يكن بمنزلة إتيان الآتي من حيث لم يكونوا شاهدون فيه.
قيل : ويشبه أن
يكون ـ والله أعلم ـ إنما حجبهم عن تحقيق الرؤية في
__________________