الكرة الأولى حتى قالوا : هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا من أجل من معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية ، وهم عن ربهم محجوبون. فلما تميزوا عنهم ، ارتفع الحجاب فقالوا عند ما رأوه : أنت ربنا. وقد يحتمل أن يكون ذلك قول المنافقين دون المؤمنين.
قال : وأما ذكر الصورة في هذه القصة ، فإني الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة. فإن الصورة تقتضي الكيفية ، وهي عن الله وعن صفاته منفية. وقد يتأول معناها على وجهين : ـ
أحدهما : أن تكون الصورة بمعنى الصفة ، كقول القائل : «صورة هذا الأمر كذا وكذا» ، يريد صفته ، فتوضع الصورة موضع الصفة.
والوجه الآخر : أن المذكور من المعبودات في أول الحديث إنما هي صور وأجسام كالشمس والقمر والطواغيت ونحوهما. ثم لما عطف عليها ذكر الله (سبحانه) خرج الكلام فيه على وضع من المطابقة ، فقيل : يأتيهم الله في صورة كذا ، إذا كانت المذكورات قبله صورا وأجساما. وقد يحمل آخر الكلام على أوله في اللفظ ويعطف بأحد الاسمين على الآخر. والمعنيان متباينان وهو كثير في كلامهم ، كالعمرين والأسودين والعصرين. ومثله في الكلام كثير. ومما يؤكد التأويل الأول ـ وهو «أن معنى الصورة الصفة» ـ قوله من رواية عطاء بن يسار عن أبي سعيد : «فيأتيهم الله في أدنى صورة من التي رأوه فيها ، وهم لم يكونوا رأوه قط قبل ذلك» ، فعلمت أن المعنى في ذلك الصفة التي عرفوه بها. وقد تكون الرؤية بمعنى العلم ، كقوله : (وَأَرِنا مَناسِكَنا) (١).
أي علمنا.
قال أبو سليمان : ومن الواجب في هذا الباب أن نعلم أن مثل هذه الألفاظ التي تستشنعها النفوس إنما خرجت على سعة مجال كلام العرب ومصارف لغاتها ، وأن مذهب كثير من الصحابة وأكثر الرواة من أهل النقل
__________________
(١) سورة البقرة آية ١٢٨.