هَواهُ) في الشّرك. (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) فيه أربعة أقوال (١) : أحدها : أنها أفرط في قوله ، لأنه قال : إنّا رؤوس مضر ، وإن نسلم يسلم الناس بعدنا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : ضياعا ، قاله مجاهد. وقال أبو عبيدة : سرفا وتضييعا. والثالث : ندما ، حكاه ابن قتيبة عن أبي عبيدة. والرابع : كان أمره التّفريط ، والتّفريط : تقديم العجز ، قاله الزّجّاج.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩))
قوله تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) قال الزّجّاج : المعنى : وقل الذي أتيتكم به ، الحقّ من ربّكم. قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) فيه ثلاثة أقوال (٢) : أحدها : فمن شاء الله فليؤمن ، روي عن ابن عباس. والثاني : أنه وعيد وإنذار ، وليس بأمر ، قاله الزّجّاج. والثالث : أنّ معناه : لا تنفعون الله بإيمانكم ، ولا تضرّونه بكفركم ، قاله الماوردي. وقال بعضهم : هذا إظهار للغنى ، لا إطلاق في الكفر.
قوله تعالى : (إِنَّا أَعْتَدْنا) أي : هيّأنا وأعددنا ، وقد شرحناه في قوله : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) (٣) فأمّا الظالمون ، فقال المفسّرون : هم الكافرون. فأمّا السّرادق ، فقال الزّجّاج : السّرادق : كلّ ما أحاط بشيء ، نحو الشّقّة في المضرب ، أو الحائط المشتمل على الشيء. وقال ابن قتيبة : السّرادق : الحجرة التي تكون حول الفسطاط. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال : السّرادق فارسيّ معرّب ، وأصله بالفارسيّة سرادار ، وهو الدّهليز ، قال الفرزدق :
تمنّيتهم حتّى إذا ما لقيتهم |
|
تركت لهم قبل الضّراب السّرادقا (٤) |
وفي المراد بهذا السّرادق قولان : أحدهما : أنه سرادق من نار ، قاله ابن عباس.
(٩٣٢) روى أبو سعيد الخدريّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لسرادق النار أربعة جدر كثف ، كلّ جدار منها مسيرة أربعين سنة». وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس ، قال : السّرادق : لسان من النار ، يخرج من النار فيحيط بهم حتى يفرغ من حسابهم.
____________________________________
(٩٣٢) ضعيف. أخرجه الترمذي ٢٥٨٤ والطبري ٢٣٠٣٧ من طريق ابن المبارك به. وأخرجه الحاكم ٤ / ٦٠٠ و ٦٠١ والطبري ٢٣٠٣٨ من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث به ، وصححه! وسكت عنه الذهبي! مع أنه من رواية دراج عن أبي الهيثم ، لكن قال الذهبي في مواضع كثيرة : دراج ذو مناكير. وأخرجه أحمد ٣ / ٢٩ وأبو يعلى ١٣٨٩ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٤٦ من طريق الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن درّاج به. فالإسناد ضعيف.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله ٨ / ٢١٦ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : ضياعا وهلاكا من قولهم : أفرط فلان في هذا الأمر إفراطا ، إذا أسرف فيه وتجاوز.
(٢) قال الحافظ ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ١٠٥ : يقول الله تعالى لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم هذا الذي جئتكم به من ربكم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) هذا من باب التهديد والوعيد الشديد ، ولهذا قال : (إِنَّا أَعْتَدْنا) أي : أرصدنا (لِلظَّالِمِينَ) وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه (ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) أي : سورها.
(٣) سورة يوسف : ٣١.
(٤) كما في «ديوانه» ٢ / ٥٨٦ و «المعرّب» : ٢٠٠.