نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨))
قوله تعالى : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ) في هذه التّلاوة قولان : أحدهما : أنها بمعنى القراءة. والثاني : بمعنى الاتّباع. فيكون المعنى على الأول : اقرأ القرآن ، وعلى الثاني : اتّبعه واعمل به. وقد شرحنا في سورة الأنعام معنى (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) (١). قوله تعالى : (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) قال مجاهد ، والفرّاء : ملجأ. وقال الزّجّاج : معدلا عن أمره ونهيه. وقال غيرهم : موضعا تميل إليه في الالتجاء. قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) سبب نزولها :
(٩٣١) أنّ المؤلّفة قلوبهم جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، وذووهم ، فقالوا : يا رسول الله : لو أنك جلست في صدر المجلس ، ونحّيت هؤلاء عنّا ، ـ يعنون سليمان وأبا ذرّ وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جباب الصّوف ـ جلسنا إليك ، وأخذنا عنك ، فنزلت هذه الآية إلى قوله : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً) ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم يلتمسهم ، حتى إذا أصابهم في مؤخّر المسجد يذكرون الله ، قال : «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمّتي ، معكم المحيا ومعكم الممات». هذا قول سلمان الفارسيّ.
ومعنى قوله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) أي : احبسها معهم على أداء الصّلوات (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ). وقد فسّرنا هذه الآية في سورة الأنعام (٢) إلى قوله تعالى : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) أي : لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الغنى والشّرف ؛ وكان عليهالسلام حريصا على إيمان الرّؤساء ليؤمن أتباعهم ، ولم يكن مريدا لزينة الدنيا قطّ ، فأمر أن يجعل إقباله على فقراء المؤمنين. قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) سبب نزولها أنّ أميّة بن خلف الجمحي ، دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى طرد الفقراء عنه ، وتقريب صناديد أهل مكّة ، فنزلت هذه الآية (٣) ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. وفي رواية أخرى عنه أنه قال : هو عيينة وأشباهه. ومعنى «أغفلنا قلبه» : جعلناه غافلا. وقرأ أبو مجلز : «ومن أغفلنا» بفتح اللام ، ورفع باء القلب. «عن ذكرنا» : أي عن التّوحيد والقرآن والإسلام ، (وَاتَّبَعَ
____________________________________
(٩٣١) باطل. أخرجه الطبري ٢٣٠٢٢ وأبو نعيم ١ / ٣٤٥ والواحدي وفي «أسباب النزول» ٦٠٠ والبيهقي في «الشعب» ١٠٤٩٤ من حديث سلمان الفارسي وإسناده ضعيف جدا ، فيه سليمان بن عطاء ، قال البخاري : منكر الحديث. والمتن باطل ، فإن السورة مكية ، وإسلام سلمان مدني ، وكذا عيينة بن حصن وفد في المدينة. والمرفوع منه لا بأس به. أخرجه الطبري ٢٣٠٢٠ عن قتادة مرسلا فهو ضعيف وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ١ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ من حديث أبي سعيد الخدري وإسناده ضعيف ، فيه العلاء بن بشير ، وهو مجهول ، ومع ذلك ليس فيه ذكر سلمان وعيينة ولا نزول الآية. عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنت في عصابة من المهاجرين جالسا معهم ، وإن بعضهم يستتر ببعض من العري ، وقارئ لنا يقرأ علينا ، فكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم نفسي» كما في «الدلائل».
__________________
(١) سورة الأنعام : ١١٥.
(٢) سورة الأنعام : ٥٢.
(٣) ضعيف جدا. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٦٠١ من طريق جويبر بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس ، وجويبر متروك ، والضحاك لم يلق ابن عباس ، فالخبر واه بمرة.