فقل : إن شاء الله ، ولو كان بعد يوم أو شهر أو سنة ، قاله سعيد بن جبير ، والجمهور. والثاني : أنّ معنى «إذا نسيت» : إذا غضبت ، قاله عكرمة ، قال ابن الأنباري : وليس ببعيد ، لأنّ الغضب ينتج النّسيان. والثالث : إذا نسيت الشيء فاذكر الله ليذكّرك إيّاه ، حكاه الماوردي.
فصل : وفائدة الاستثناء أن يخرج الحالف من الكذب إذا لم يفعل ما حلف عليه ، كقوله تعالى في قصة موسى : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) (١) ، ولم يصبر ، فسلم من الكذب لوجود الاستثناء في حقّه. ولا تختلف الرواية عن أحمد أنه لا يصحّ الاستثناء في الطلاق والعتاق ، وأنه إذا قال : أنت طالق إن شاء الله ، وأنت حرّ إن شاء الله ، أنّ ذلك يقع ، وهو قول مالك ؛ وقال أبو حنيفة والشّافعيّ : لا يقع شيء من ذلك. وأمّا اليمين بالله تعالى ، فإنّ الاستثناء فيها يصحّ ، بخلاف الطّلاق ، وكذلك الاستثناء في كلّ ما يكفّر ، كالظّهار ، والنّذر ، لأنّ الطّلاق والعتاق لفظه لفظ إيقاع ، وإذا علّق به المشيئة ، علمنا وجودها ، لوجود لفظ الإيقاع من جهته ، بخلاف سائر الأيمان ، لأنها ليست بموجبات للحكم ، وإنما تتعلّق بأفعال مستقبلة. وقد اختلف في الوقت الذي يصحّ فيه الاستثناء على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه لا يصحّ الاستثناء إلّا موصولا بالكلام ، وقد روي عن أحمد نحو هذا ، وبه قال أكثر الفقهاء. والثاني : أنه يصحّ ما دام في المجلس قاله الحسن وطاوس ، وعن أحمد نحوه. والثالث : أنه لو استثنى بعد سنة ، جاز ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو العالية ، وقال ابن جرير الطّبري : الصّواب للإنسان أن يستثني ولو بعد حنثه في يمينه ، فيقول : إن شاء الله ، ليخرج بذلك ممّا ألزمه الله في هذه الآية ، فيسقط عنه الحرج ، فأمّا الكفّارة فلا تسقط عنه بحال ، إلّا أن يكون الاستثناء موصولا بيمينه ، ومن قال : له ثنياه ولو بعد سنة ، أراد سقوط الحرج الذي يلزمه بترك الاستثناء دون الكفّارة.
قوله تعالى : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي) قرأ نافع ، وأبو عمرو : «يهديني ربّي» بياء في الوصل دون الوقف. وقرأ ابن كثير بياء في الحالين. وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائيّ بغير ياء في الحالين. وفي معنى الكلام قولان : أحدهما : عسى أن يعطيني ربّي من الآيات والدّلالات على النّبوّة ما يكون أقرب في الرّشد وأدلّ من قصّة أصحاب الكهف ، ففعل الله له ذلك ، وآتاه من علم غيوب المرسلين ما هو أوضح في الحجّة وأقرب إلى الرّشد من خبر أصحاب الكهف ؛ هذا قول الزّجّاج. والثاني : أنّ قريشا لمّا سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يخبرهم خبر أصحاب الكهف ، قال : «غدا أخبركم» (٢) كما شرحنا في سبب نزول الآية ، فقال الله تعالى له : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي) أي : عسى أن يعرفني جواب مسائلكم قبل الوقت الذي حدّدته لكم ، ويعجّل لي من جهته الرّشاد ، هذا قول ابن الأنباري.
(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦))
قوله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم وابن عامر : «ثلاثمائة سنين» منوّنا وقرأ حمزة والكسائيّ : «ثلاثمائة سنين» مضافا غير منوّن. قال أبو
__________________
(١) سورة الكهف : ٦٩.
(٢) انظر الحديث المتقدم ٩٤٩.